تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الثلاثاء 28/9/2004
نبيه البرجي
عادة, يفكر المثري العربي كيف يأكل الدنيا...

بعد قليل, يشرع في التفكير كيف يأكل الآخرة.‏

ورحنا, بطبيعة الحال, نجري مقارنة بين أثريائنا وأثريائهم عندما قرأنا كتابا, أجل كتابا بالكامل, حول ما قدمته أسرة أمريكية تفيض ثراء, ليس فقط للأمريكيين بل وأيضا لغير الأمريكيين. ولنأخذ بعض الإحصاءات على الصعيد الداخلي فقط: المساهمة في تمويل 9 جامعات على مدى 70 عاما, تغطية نفقات إنشاء 11 معهدا للأبحاث يتراوح نشاطها بين مسائل تطوير أداء الأطفال المعوقين, وتكنولوجيا المعلومات, والاختبارات الخاصة بمعالجة أمراض الدم, وبتوليد أنواع معينة من الحبوب وصولا إلى إنتاج أنواع متطورة من الفراشات...‏

أبدا لا تتوقف النشاطات هنا, بل إنها تتحدث عن بناء 800 منزل للمعوزين في الأربعينيات من القرن الفائت (وقد كتب عنهم جون شتاينبك في روايته الشهيرة (عناقيد الغضب)), وتأهيل 39 طريقا, لا يقل طول الواحد منها عن 100 كيلومتر, وهكذا إلى آخر اللائحة..‏

نكتفي بهذه العينة, ونسأل كم هي نسبة الأغنياء العرب الذين يفكرون أن الثروة تتحول إلى عار شخصي, وأحيانا إلى عار عام, عندما يتحول صاحبها إلى مستودع بشري. أجل, أجل, أليس هناك من أغنياء عرب, وما أكثرهم, يشبهون المستودعات البشرية...?‏

ليس من صلاحياتنا أن نتحدث عن الشفافية (وحيث يفترض أن يضع كل ثري ثروته تحت المجهر, لا أن يبني حولها حائطا هو أشبه ما يكون بحائط المقبرة). وكيف يكون هذا من صلاحيتنا حين نتساءل ما إذا كان من صلاحيات الكثيرين منا أن يكونوا بشرا, ولهم الحق في الهواء (الطلق), وفي إعادة تشكيل رؤوسهم (وأرواحهم) بحيث لا تبقى رؤوس (وأرواح) القردة, ولهم الحق في أن يكونوا كائنات عمودية لا كائنات أفقية, ولهم الحق في أن يهاجموا (العدو الصهيوني) على مزاجهم لا على مزاج ذلك المسؤول العربي الذي إذا تظاهر مواطنوه من أجل إيصال المياه إلى قراهم اتهمهم بالتعامل مع العدو الصهيوني إياه. ولسنا نأتي بهذا النموذج من الخيال. حدث ذلك, وحدث, ويحدث, مع أن صاحبنا الذي من أكلة الدنيا والآخرة لم يكلف خاطره ويدفع قرشا (يا لأيام القروش الجميلة!) لجريح واحد, مجرد جريح, برصاص صاحبه... العدو الصهيوني!‏

هل يفترض بالثروات العربية أن تظل تائهة, ومجنونة, وعشوائية وبلهاء, بل وقاتلة إلى هذا الحد...?‏

تابعوا خطا أحدهم: إنشاء مصرف , مزرعة للأبقار, شراء باخرة, إقامة 9 قصور في البلد الأم (وهل له بلد أم فعلا?) وفي بلدان أخرى تليق بقامته المستحدثة, إهداء إحدى الأميرات الأوروبيات في حفل زفافها طقما من الماس ب¯ 48 مليون دولار, شراء كل ألف ليلة وليلة وضمها إلى ممتلكاته, ثم, ولضرورة التفاعل مع العصر, التفكير في إنشاء فضائية لا ندري ما سيكون هدفها, لكننا نتوقع أن تضاف إلى غيرها, إما في زيادة عدد (المفكرين) الذين ينتمون إلى العصر الحجري أو في إنتاج الراقصات والمغنين مادامت الاستراتيجية الراهنة تقدم على مبدأ راقصة, أو مغن, لكل مواطن عربي الموزعة أحزانه بين غرناطة وطولكرم مرورا بمولانا رغيف الخبز, ألا تلاحظون, كيف أننا- في زمن الذهب الأسود والأبيض والأحمر والبنفسجي- أصبحنا, وبامتياز, مواطنين.. رغيف الخبز!‏

هذا فيما الآخرون يعيدون تشكيل أنفسهم, حين وضعت الحرب الباردة أوزارها, كتب جان -بيار شوفنمان: (كي لا نبقى في العراء يفترض أن نعيد النظر في مكاننا). كثيرون في العالم فعلوا ذلك, وأعادوا ترتيب (أمكنتهم) ليكونوا شركاء في لعبة العصر. بقينا -وحدنا- في العراء, من جعل منا مجتمعات.. القرفصاء?‏

على الأقل.. اسألوا أكلة الدنيا والآخرة!‏

 

 نبيه البرجي
نبيه البرجي

القراءات: 30383
القراءات: 30388
القراءات: 30381
القراءات: 30387
القراءات: 30381
القراءات: 30384
القراءات: 30391
القراءات: 30390
القراءات: 30388
القراءات: 30385
القراءات: 30384
القراءات: 30381
القراءات: 30390
القراءات: 30391
القراءات: 30389
القراءات: 30382
القراءات: 30396
القراءات: 30395
القراءات: 30382
القراءات: 30379
القراءات: 30390
القراءات: 30386
القراءات: 30392
القراءات: 30391
القراءات: 30383
القراءات: 30387
القراءات: 30384

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية