ورد ذكرها ليس في الكتب السماوية فقط بل في أسفار أقدم المؤرخين.. ولاتزال آثارها تنطق عنها.. ولايزال البحث عن عصورها السحيقة يشغل المكتشفين وعلماء الآثار والمستشرقين أو المستعربين.. ولايزال الحلم يراودهم في البحث عن إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد.
أما المعنى الكامن وراء تسمية عاصمة ما عاصمة ثقافية فهو ليس أكثر من جذب الانتباه بالتركيز لا بالترميز إلى عاصمة ما.. ليس بالتحديد بل في التجديد فكل عاصمة من وطننا العربي هي على الدوام عاصمة ثقافية. صحيح أن لكل منها طابعها الخاص.. وتراثها الخاص.. وسمتها الخاصة لكن روحاً واحدة من الأصالة والتوحيد هي التي تجمعها ولا تفرقها, وهي التي تميزها فلا تحيد عنها.. ويكفي أن كل ذلك التراث قد سجل بلغة واحدة هي العربية.. ويكفي أن أنساب من انتسبوا إلى هذه الحضارة هم من الأقوام العربية سواء أكانوا بدواً أم حضراً يعيشون في المدن.. أو في ذرى الجبال.
إنها الحضارة العربية التي امتدت شمسها ليس على الجزيرة العربية واليمن وبلاد الشام ومصر, وما جاورها في المغرب العربي, بل وصل إشعاع هذه الحضارة العربية والإسلامية إلى آسيا الوسطى, وإلى عمق الهند, وأطراف الصين, وقرعت أجراس الإنذار في أوروبا, بعد أن تألقت في الجنوب الإسباني أو الأندلس.
ومع تغير المناخات السياسية والتاريخية فإن كل مدينة عربية هي عاصمة ثقافية بطريقة ما.. ألم تكن حلب عاصمة الحمدانيين.. وفاس حاضنة جامع القرويين.. وتونس صاحبة جامع الزيتونة.. وقاهرة المعز هي موئل الأزهر.. وسامراء جوهرة التاريخ التي ورثها الأبناء عن الآباء?
أما مكة المكرمة والمدينة المنورة فهما مهوى قلوب المسلمين.. في أي بقعة وجدوا في أنحاء المعمورة.. إنهما العاصمتان الروحيتان لا يسبقهما في القداسة زمنيا إلا الأقصى الشريف في قدس فلسطين.
فهل نحن قادرون على أن نعدد العواصم وأن نضع لأسمائها القوائم?
إنها شمسنا التي لا تغيب.. والتي ستظل تسطع على العالم رغم كل النوائب التي تنصب ولا تكاد تصيب بل لعلها تخيب.