وما يبرر هذا الصراخ الذي يتوقع أن يزداد تواترا وصخبا في المستقبل القريب, عدم تمكن البعض منهم إن لم نقل غالبيتهم, من تسديد القروض التي استجروها من المصارف الزراعية لتغطية نفقات البذار وأدوية المبيدات والأسمدة, وسواها من المستلزمات الزراعية.
وما يواجه الفلاحين في الموسم الحالي لا يمثل جديدا أو سابقة غير معهودة لجهة الانخفاض الحاد في الأسعار, وإنما الجديد الوحيد يتمثل في الجهات المعنية التي لم تأخذها الغيرة لمعالجة مشكلات الفلاحين, وارتأت على مايبدو التمترس خلف المثل الصيني الشهير: (لا أسمع ولا أرى ولا أتكلم).
فوزارة الزراعة ومع أنها معنية في صوغ الخطط الزراعية ودراسة حاجة السوق المحلية من الاستهلاك, لم يصدر عنها أي تصريح رسمي يشير الى إمكان البحث عن حلول لتعويض الفلاحين أو حتى مناقشة مشكلاتهم بجدية وموضوعية وكذلك وزارة الاقتصاد, كانت قد أصدرت قرارا سمحت بموجبه لبعض التجار باستيراد الخضار وإغراق السوق المحلية دون أن تأخذ في الحسبان عواقب هذا القرار وما تركه من آثار كارثية على المنتجين.
قد تصدر في المستقبل القريب - مثلما تشير التوقعات- بعض التبريرات من هذه الجهة او تلك لتعيد إنتاج اسطوانة قديمة - متجددة, تحمل من خلالها الفلاحين مسؤولية انخفاض الأسعار, وذلك بسبب خروجهم عن الخطط وتجاوز المساحات المسموح بزراعتها, ومثل هذه الذريعة اذا كانت في سنوات ماضية تجد من يأخذ بها, فهي لن تجد هذه المرة من يسمعها, لأنها لم تعد مقنعة بعد سماح وزارة الإقتصاد باستيراد هذه الخضار, وفي أوقات تسبق موعد تسويق الإنتاج المحلي بأيام أو أسابيع على أبعد تقدير,.. ومن باب التذكير لا أكثر, فإن بعض الخلافات التي نشبت بين الولايات المتحدة الامريكيةوالبلدان الأوروبية بشأن التوقيع على اتفاقات منظمة التجارة العالمية, كان سببها الجوهري تمسك قادة البلدان الأوروبية في حماية المنتجات الزراعية, وفي نهاية المطاف كان لهم ما أرادوه.. ونحن اليوم ندير ظهرنا للفلاحين, مع أن هذه المنظمة الدولية لم تبحث بعد في إمكان قبول عضوية بلدنا .
ومهما يكن من أمر, فإن إغراق السوق المحلية وبكميات تفوق حاجة الاستهلاك أسهم والى حد كبير في خفض الأسعار, وسواء كانت المسؤولية تنحصر في تجاوز الخطط الزراعية أم بقرار وزارة الاقتصاد فإنه يتعين معالجة هذه المشكلة وفقا لرؤى استراتيجية ودراسات اقتصادية بعيدة المدى, فتعويض الفلاحين من جانب وزارة الزراعة قد يكون أحد الخيارات الممكنة, ووزارة الاقتصاد قد تصدر قرارا تلغي بموجبه قرارها السابق,.. غير أن المشكلة باعتقادنا ستبقى على حالها , ذلك أن الاستحقاق الأهم يتمثل في البحث عن آليات جديدة لتصدير الفائض, ومنح المزيد من التسهيلات للمستثمرين بهدف تحويل بعض الكميات الى ( كونسروة) قابلة للحفظ, فعلى سبيل المثال, ان شركة كونسروة درعا وهي الوحيدة التي تتبع للقطاع العام, تقوم سنويا باستجرار نحو (3) آلاف طن من البندورة , وهذا الرقم لا يمثل اي معنى في حال علمنا أن إنتاج محافظة درعا السنوي من هذا المنتج يصل الى حدود(250) ألف طن , وفي مواجهة هذه الحقيقة, فالمطلوب ليس فقط تشجيع القطاع الخاص على تصنيع بعض أصناف الخضار وتحويلها الى كونسروة, وانما إعادة النظر بمقومات ومشكلات التصدير الذي ما زالت أرقامه مخجلة ولا تعني شيئا بالقياس مع النهضة الزراعية الفعلية التي نتباهى بها ليل نهار.