والقلق الذي تثيره تلك الخيبة لدى الادارة الأميركية هو أقل بكثير من القلق الدولي المتنامي من مشهد الانفلات الدموي الذي تمارسه قوات الاحتلال الاسرائيلي, وهي تحترف القتل اليومي بدم بارد, وسط ردود فعل باهتة وفي أغلب الأحيان تائهة.
المقارنة في كل الأحوال قد لاتكون هي الغاية, ولكن الواقع الفعلي لتعابير الوزير الأميركي تثير الكثير من الاستنتاجات المتباينة, باعتبار أن توصيف البطء يوحي بوجود حركة ما, فيما الواقع يشير إلى العكس, وبالتالي الخيبة يفترض أن لاتقتصر على ذلك, بل هي يجب أن تشمل الممارسة الاسرائيلية كلها, خصوصا إذا ما أدركنا أن الاسرائيلين لم يترددوا في تقديم تفسير لتصريحات باول بتحديد المستوطنات (غير الشرعية) حسب وصف الناطق باسم الخارجية الاسرائيلية.
وإذا كان الحديث الأميركي تطورا في الموقف الأميركي- كما يحلو للبعض تسميته- فإن هذا (التطور) يحتاج للكثير كي يكون واقعيا, لأن الاسرائيليين الذين اعتادوا على لغة أميركية مهادنة, ينظرون إلى المتغير الجديد في المفردة الأميركية, على أنه مجرد إشارة رمزية هدفها انتخابي ودعائي أكثر مما هو حقيقي.
ويدللون على ذلك بجملة كاملة من المعطيات أولها, أن الخيبة الأميركية ستكون حقيقية لو أنها نتجت عن الممارسات الاسرائيلية الأشد فظاعة أو أنها أشارت إلى السياسة الاسرائيلية المغالية في دمويتها والمتخمة في عدوانيتها أو أقل الايمان, انتقاد القتل والاجتياح والتوغل..!
أما ما دامت, الخيبة تلك, نتاج امتعاض من بطء في حركة لم تبدأ في الواقع, ولاتشمل سوى دلالات رمزية قاصرة, فإنها تفتقر عمليا لمعطيات تؤكد جدية الأميركيين.
والأكثر من ذلك فإن اختيار الأميركيين لمسألة هي تحصيل حاصل في السياسة الاسرائيلية يزيد من حدة المفارقات الناتجة عن الموقف الأميركي, باعتبار أن المسعى الأميركي المتأخر, يشكل في واقعه العملي محاولة متواضعة لاستدراك تراكمات أدت إلى تآكل ما بقي من المصداقية الأميركية.
فهناك الكثير من الاسئلة الملحة التي تدفع إلى الاعتقاد بأنهم قلة أولئك الذين يعتقدون بأن الدور الأميركي يمكن أن يستعيد موقعه, ضمن هذا الأداءالمتهالك لارضاء الاسرائيليين, وربما كانوا أقل أولئك الذين يعتقدون بجدية الخيبة الأميركية, وحتى بدوافع القلق الأميركي.
ربما هي التراكمات المتتالية التي ولدت بدورها خيبات متتالية من الموقف الأميركي وأدت إلى هذا التراجع في المصداقية الأميركية, ولكن الواقع أيضا يشير وبوضوح إلى أن حدود التماهي الأميركي, ومستويات الاستجابة للرغبة الاسرائيلية صعبت كثيرا من المهمة الأميركية, هذا إن بقي شيئ من هذه المهمة.
ومع ذلك فإن الخيبة الأميركية على تواضعها قد تصلح لأن تكون مقدمة لخيبات أخرى تعرب عنها في سياق قلق دولي يتنامى, ولابد له من أن يتفاعل مع واقع تصعيدي خطير يهدد بانفجار أشمل للوضع القائم في المنطقة.