فالإدارة الاميركية فسرت دعم مجلس الأمن الدولي للقرارات التي طرحت عليه وتبناها بعد تعديلات ومناقشات عديدة بشأن العراق وأفغانستان وبعض القضايا الاخرى من منطلق ارتكز في الأساس على قناعاتها بإمكانية الهيمنة على الأمم المتحدة ومؤسساتها وفرض إرادتها وتسلطها عليها بما يخدم وتوجهاتها بالسيطرة على العالم.
وقد اتبعت الإدارة هذا الاسلوب مع دول حلف شمال الاطلسي, ولكن أخفقت دبلوماسيتها وضغوطها السياسية على بعض أعضائه في جعله أداة عسكرية من أدواتها نتيجة تمسك الأعضاء الأساسيين بمبادىء الحلف ودوره الحيوي المرتبط بالمحيط الأوروبي, ورفض دخوله في حروب غير شرعية استندت إلى مزاعم كاذبة وأسهمت في زعزعة الاستقرار الدولي وإضعاف الأمم المتحدة وزرع الانقسام داخل الأسرة الدولية, وما تسبب ذلك من ضعف لأدائها ازاء الأزمات الحساسة وقضايا تهم المجتمع الدولي بأسره, فالإخفاق الأميركي في توريط الاطلسي بالعراق كان متوقعا ولكن ما تمخضت عنه قمة اسطنبول من خلافات بين فرنسا وألمانيا وإسبانيا من جهة والولايات المتحدة من جهة كشف عن عقم وغطرسة في السياسة الأميركية وكذلك إدراك الدول الأوروبية الثلاث لأهداف ومرامي المساعي الأميركية لدفع الحلف إلى الواجهة في العراق. ويبرز الموقف الإسباني بشأن الخلاف مع الولايات المتحدة حول مكافحة الإرهاب ليفتح الباب على مصراعيه لخلافات دولية مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع, لاسيما وأن الانتقادات الواسعة من قبل مؤسسات المجتمع المدني لهذه الحملة وطابعها العسكري بدأت تأخذ أبعادا قانونية على الولايات المتحدة وقواتها العسكرية في العالم.
الفشل الأميركي في قمة اسطنبول هو جزء من الإخفاقات في إقناع العالم وشعوبه بدوافع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب أو في الحرب على العراق ,وهو أيضا نتيجة متوقعة وطبيعية للتعامل الأميركي والمتعالي مع أوروبا إزاء العديد من القضايا السياسية والتجارية والعسكرية ورد على محاولتها تجاهل الدور الأوروبي على الصعيد العالمي.
وإذا كان بالإمكان تسمية قمة اسطنبول بالدرس الأوروبي لأميركا فالمفترض بالقوى والدول الأخرى أن تستفيد منه وتأخذ في الحسبان أهمية الاعتراض على السياسة الأميركية كسلوك لتغييرها أو إحداث تبدلات عليها ,والأولى بالاستفادة من هذا الدرس هم العرب وبالأخص بعض الدول العربية التي سلمت أمرها للهيمنة الأميركية بذريعة عدم قدرتها على مواجهة تداعياتها المتزايدة.