تلك القيم التي تتجلى لدى أحد ما, هي التي غرست في مراحل الطفولة وتمت رعايتها أو احتضانها أو السهر عليها.. وتلك المعرفة التي يصبح عليها الشاب أو الشابة هي التي شرباها جرعة وراء جرعة أثناء الطفولة. أما الإبداع فهو الانبثاقات الصغيرة التي عبر عنها الصغار فلاحظ ضوءها الكبار, فإذا بهم يرعونها بكل الاهتمام والاحترام حتى تغدو نورا يضيء الحياة ليس حياة أصحابها بل حياة من حولها, وتغدو ركيزة من ركائز التقدم الذي تقاس به الأمم والشعوب.
والأطفال كلهم سواء.. أمام ينابيع الضياء.. هم الذين يعبرون بأنفسهم عن أنفسهم بما لديهم, وما يتوقون أن يكونوه في المستقبل.. أو ما يقدموه لمجتمعهم. والقسرية أو الجبرية لا تؤدي إلى نتائج حقيقية أو طبيعية.. بل علينا أن نترك هذه الزهور الإلهية تتفتح كما تشاء.. وتنشر ضياءها كما تشاء.. فليست مهامنا كأهال أو مربين أو موجهين اجتماعيين إلا أن نأخذ بأيديهم لما فيه مستقبلهم أو مصالحهم.. والأوقات التي نكرسها من أجلهم هي الربح لهم فهلا فعلنا على كل المستويات.. وعلى كل الجهات? هلا راعينا هواياتهم أو رغباتهم فقدمنا لهم ما يؤهل هذه الهوايات أو يشبع تلك الرغبات?
صحيح أن الوعي بأهمية الطفولة يصبح متساوقا يوما بعد يوم مع متطلبات تقدمنا وازدهارنا.. ولكن ما أظن أن ذلك كاف للأطفال كل الأطفال.. شرائح معينة هي التي تحرز هذا الاهتمام وتلك الرعاية لكن الأمر ليس شاملا.. وقليلة هي الأنشطة التي تعمم على الأطفال.. في المدارس والأحياء الشعبية بل على مستوى الإذاعات والشاشات.. وأقل منها تلك المسابقات والمباريات التي تحفز الأطفال وتفجر إمكانياتهم.. ومجلة للأطفال أو مجلتان.. لا تكفي أو لا تكفيان للألوف المؤلفة الذين يرغبون في القراءة والتسلية والإطلاع.. والسلسلة طويلة في الاهتمامات والرياضات.. وليس ما ينفق على ذلك إلا وحصيلته أحسن الثمرات.
وليس المهم أن نتحدث عن الطفولة ونرسم لها بعيدا عنها.. بل أن نشاركها هي ذاتها في ما نقرر ونرسم.. لأن العصر يفرض علينا ذلك فأطفالنا ليسوا غائبين عن كل ما يجري.. وهم بوسائل الاتصال أصبحوا يقتحمون كل ميدان أو مجال.. فلتكن سماء المعرفة الصحيحة هي التي تظلهم.. وأرض العطاء هي التي تحتضنهم.. أما الماء والغذاء فهو مما نقدمه لهم.