ووصف كولن باول وزير الخارجية الأميركي لها بأنها جيدة, وتأكيد الخارجية السورية بأن سورية تعاملت بجدية مع هذه الزيارة والنقاشات التي تخللتها,عقب هذا الارتياح كان ثمة من يعمل على نسف هذه النتائج في واشنطن للابقاء على العلاقات
الأميركية - السورية في حال من التوتر الذي يلحق الضرر بهذه العلاقات ويسد الآفاق أمام حل القضايا الخلافية فيما بينها منعاً لأي تطور محتمل فيها, وقد ظهر ذلك جلياً في مسارعة مجلس النواب الأميركي إلى اتخاذ قرار بزمن قياسي عقب نتائج زيارة بيرنز وتعبير باول عن ارتياحه لها, يغمز من قناة سورية بكيل الاتهامات جزافاً لها حول مزاعم عن انتهاكات لحقوق الانسان والحريات المدنية ودعم الإرهاب وتطوير أسلحة دمار شامل.
هل جاء القرار الجديد ضد سورية مصادفة عقب تصريح وزير الخارجية الأميركي, أم جرى إعداده وترتيبه واتخاذه على وجه السرعة ليشكل إجهاضاً لفرص انفراج مؤكد أتاحتها النقاشات الجادة بين الرئيس الأسد والمبعوث الأميركي..?
وإذا كان الشق الثاني من السؤال هوالاحتمال الأقرب إلى الواقع, فمن هي القوى الدافعة باتجاهه وماذا عن منعكساته على مستقبل العلاقات السورية- الأميركية والمصالح المشتركة للشعبين الأميركي والسوري في ظله..?
يستحيل فهم القرار وخلفياته بمعزل عن نتائج زيارة بيرنز, وعلى هذا فإن طبخه بالسرعة القياسية التي جرى فيها إعداده بعيداً عن النقاش المعمق واستحضار الأدلة والبراهين وعقد جلسات عدة يستلزمها إصدار مثل هذا القرار, يضعه في خانة الرد على محادثات دمشق مع بيرنز لغرض إبقاء العلاقات في وضع خلافي حول العديد من القضايا, ومن ثم الحيلولة دون إخراجها من حالة جمود إلى حالة الحراك الإيجابي النشط.
وهذه الحقيقة تبدو أكثر وضوحاً عندما يتبين أن عضوين ممن يكنون الكراهية والعداء لسورية, وعلى ارتباط عميق وصلة وثيقة باللوبي الصهيوني في مجلس النواب الأميركي كانا وراء طرح مشروع القرار على عجل واستصداره بعيداً عن النقاش المعمق, وهذان العضوان هما الياناروس ليتنن المعروفة بحقدها الأعمى لسورية وتوم لانتوس الذي اشتهر بعدائه المعلن لسورية وصداقته الحميمة لإسرائيل.
لقد أفضت محادثات بيرنز في دمشق إلى نتائج إيجابية ومهمة لاتبعث على السرور لدى من لايريد للعلاقة السورية- الأميركية أن تخرج من أسر توترها وتأخذ طريقها إلى التطور عبر الحوار وإيجاد حلول موضوعية للقضايا الخلافية بين الطرفين, وخير دليل على ذلك أن محادثات بيرنز تمخضت عن اتفاق على تحديد آليات مناسبة للحوار السوري-الأميركي وتعميقه على مختلف المستويات, إضافة إلى مناقشة طرق عملية لتحقيق تقدم ملموس بخصوص تطورات الوضع في العراق.
وإذا وضعنا في الاعتبار أن تطور العلاقات السورية- الأميركية يصب في مصلحة أميركا وسورية والعرب والقضية الفلسطينية, لجهة أن التطور الإيجابي لهذه العلاقات لابد أن يرسى على أسس المصالح المشتركة, يصبح واضحاً أن الطرف المتضرر من الحوار السوري- الأميركي وتعميقه بما يخدم طرفيه وقضايا السلم والأمن الإقليميين هو اسرائيل واسرائيل وحدها, وإنها هي ومن يلوذ بها ويخضع لضغوط لوبيها في مراكز صنع القرار داخل مجلسي الشيوخ والنواب والكونغرس وراء هذا القرار الجائر وما يهدف إليه من نسف لنتائج زيارة بيرنز, وفي المقدمة منها الاتفاق على تعميق الحوار واستمراره وإيجاد نقاط تفاهم مشتركة تساعد على تطوير العلاقات المشتركة خدمة لمصالح الطرفين.
بعد هذا نسأل الذين انساقوا وراء مثل هذا القرار الخاطىء: هل كان اندفاعهم بتحريض من اسرائيل واللوبي الصهيوني لطرح مشروع القرار على مجلس النواب مصلحة أميركية أم مصلحة اسرائىلية صرفة..?
هدف القرار ووقوفه ضد مبدأ الحوار وغاياته النبيلة, يؤكدان أنه مصلحة اسرائيلية, ويؤكدان في الوقت نفسه أن في أميركا موالين لإسرائىل ومتنفذين داخل هيئات الحكم ومؤسساته أكثرمما هم موالون لأميركا ولايضيرهم إن ألحقوا أشد الضرر بمصالح شعبهم ودولتهم.وهذا ما يتعين على الشعب الأميركي إدراكه لدى اختيار ممثليه إلى مجالسه التشريعية حرصاً على مصالحه التي لايضمنها إلا مبدأ الحوار الإيجابي كشرط لاستقرار علاقاته وتطورها مع الآخرين.