أن الحديث المحموم والصاخب حول ضرورة النهوض في أداء العمل المصرفي شيء, والترجمة الفعلية المشخصة في الأداء اليومي شيء آخر, ومن بعض الأمثلة التي أتى على ذكرها, أنه وعلى الرغم من مرور نحو ست سنوات على صدور القرار الذي يسمح بفتح حسابات بالعملات الأجنبية, فإن أعداد الزبائن ما زالت شديدة التواضع ولا ترقى إلى حقيقة الإمكانات والقدرات المالية التي يتمتع بها بعض التجار ورجال الأعمال.
حقيقة, إن مثل هذه الإشارة التي صدرت عن موظف عادي, تحمل بين طياتها الكثير من الدلالات, وتشكل دفاعاً مشجعاً لإنعاش الحديث حول القرار المذكور, والذي كان يتعين منه, ليس فقط الإسهام في توفير السيولة الدائمة من العملات الأجنبية, وإنما أيضاً تشجيع الرساميل المهاجرة في العودة إلى الوطن والاستفادة من استثمار عشرات مليارات الدولارات الموظفة في مصارف غريبة الهوى والهوية.
... لن نسهب طويلاً في الحديث عن البصمات التي كان يرتقب حضورها فيما لو وجد القرار ترجمته بصورة مثلى, وإنما سنسأل عن الأسباب والمبررات التي تمنع في الوقت الحاضر من مناقشة هذا القرار بشفافية ترقى إلى مستوى الهدف الجوهري من إصداره وإقراره, والشفافية المقصودة تعني المكاشفة العلنية والصريحة من خلال ندوة علنية تشارك في إعدادها وتنظيمها كافة الأطراف, بدءاً من القائمين على صوغ القرارات والقوانين المصرفية في الحكومة وليس انتهاء بممثلين عن التجار والصناعيين ورجال الأعمال, وبعض المهتمين من باحثين وإعلاميين.
وما يدفعنا إلى اقتراح مثل هذا الخيار, أن بعض العوامل التي شكلت في زمن مضى سبباً مبرراً في الإحجام عن فتح حسابات بالعملات الأجنبية, قامت الحكومة بمعالجتها وذهبت إلى غير رجعة, فالمرسوم رقم (33) الذي صدر في العام الماضي, تم بموجبه ليس فقط إلغاء المرسوم الذي يفرض قيوداً أو عقوبات على حيازة القطع الأجنبي والسؤال عن مصدره, وإنما ألغى وبلغة لا تقبل التأويل, الدور الذي كان يناط بمحكمة الأمن الاقتصادي.. وكل هذا يعني أن المعوقات التي تواجه قرار السماح بفتح الحسابات بالعملات الأجنبية تنحصر في تخلف أداء العمل المصرفي.
ندرك سلفاً, أن - الكلام الآنف الذكر - قد لا يعجب البعض من القائمين على إدارة دفة العمل المصرفي, وقد يضطر أحدهم إلى تذكيرنا, بأن هناك المئات أو الآلاف من أرقام الحسابات المسجلة بالعملات الأجنبية, ومن ناحيتنا لن نشكك بمدى صحتها أو مصداقيتها مهما بلغ عددها, غير أن الأهم: ماذا عن إجمالي الأرقام المالية المودعة.. وكيف يتم التعاطي معها من جانب أصحابها?!
المعلومات الأكيدة تشير, أن الغالبية من التي أخذها الحماس وقامت بفتح حسابات, اضطرتها التجربة القصيرة وآليات التعاطي المتخمة بالروتين والبيروقراطية إلى التراجع والإحجام عن الاستمرار والتواصل, وهي في حال أبقت على أرقام حساباتها, فليس ذلك إلا من باب استقبال الحوالات وليس بهدف الإيداع والسحب لتسهيل تعاملاتها التجاربة الخارجية, أي أن أرقام الحسابات تحولت إلى ما يشبه العنوان البريدي.. وإلا بماذا نفسر وصول إجمالي قيمة العملات الأجنبية المودعة من جانب بعض التجار إلى مئات الدولارات في أحسن الأحوال!
المواطنون يسمعون كثيراً بأسطوانة تطوير وتحسين أداء العمل المصرفي, لكنهم لا يلمسون شيئاً.. وإذا كان البعض يتباهى في إدخال خدمة الصراف الآلي وعلى نطاق محدود جداً, فإنه يكفي التذكير, أن هذه الخدمة ومعها بطاقة (الكريديت كارد).. وخدمات أخرى لم نسمع بها بعد.. جميعها باتت من منسيات الشعوب ومنذ الربع الأخير من القرن الماضي... ونحن مكانك راوح!