المثقف المنتمي يصير فجأة لا منتمياً ويتغير بلمح البصر من العلمانية الى الكونفوشوسية الصارمة او الى البوذية المتشددة ناكراً بذلك ما سلف من حياته وافكاره ونضاله.
وقيل لي ايضاً ان المثقف في بلاد الواق واق-وليس عندنا- له ألف قناع. ويحمل على كتفه سلم الافكار الجريئة والوقحة وينادي بحرية الرأي والرأي الآخر , وقد يؤكد على افكاره بأن يلطم طاولة الشاي التي امامه.. او بقص شعره الذي رباه ليميزه عن طبقة الغوغاء والشوهاء.. لكن سرعان ما يخلع اقنعته كلها اذا ما تسلم منصباً عزيزاً - يتيح له الترنم بنعمة زائلة وعصا يلوحها في وجه الزملاء- اي الذين كانوا زملاء له في سهرات المقاهي وسهرات النميمة والمناداة بمجتمع مدني غير الذي تدعو اليه الام الحنون -اميركا-.
والحمد لله ان هذا لا يحدث في وطننا العربي.. بل يحدث هناك حيث تبين ان بعض مثقفي تلك البلاد -وليس الوطن العربي- يكتبون شيئاً ويفعلون عكسه إذ ينادون بالصدق والشفافية ويتأوهون على زمن البطولات النقدية والادبية واحترام السوية الفكرية ومن ثم يكذبون حتى يصير الكذب ملحهم وخبزهم, بذلك ما عاد الشعب يثق بهم ولا بطروحاتهم .. بل ينسبونهم الى الفئة المريضة من المجتمع والتي لا جدوى من افكارهم وصراخهم لأنهم لا يثبتون على شيء.
وقيل لي: ان بعض الأدباء -وليس عندنا- لا هم لهم سوى النميمة وتبجيل الغث الرديء.. وهم مهووسون بالسعي وراء الشهرة ولو كلفهم ذلك كرامتهم والتخلي عن مواقفهم الفكرية والعقائدية.
وقيل ايضاً: انهم يملؤون البلاد بالمحاضرات التثقيفية والبيانات التي تطالب بحرية الرأي وحرية النقد, واحترام رأي الآخر وفكر الآخر والاستماع الى وجهات النظر المتعددة التي تخص الثقافة والادب والسياسة وكل قضايا البلاد.. إلا انهم لا يتورعون عن اطلاق النار اذا ما اشار احد القراء الى ربطة عنقهم غير المتناسقة مع القميص.
فكيف لو قال لهم: باطلة آراؤكم وافكاركم وتافهة كتاباتكم.
أما الويل.. فكل الويل من الفئات المدعومة من خارج البلاد أو داخل البلاد فتتحول الآراء والانتقادات الى معركة شخصية قد تنذر بحرب عالمية أدبية.
الحمد لله ان هذا لا يحدث عندنا.. إذ إن المثقف العربي يقبل النقد ويقبل التأويل.. ويفتح قلبه للحوار الحر.. ويعترف بالتعددية الادبية والفكرية ويحترم المرتكزات الابوية لكل أديب.
والأديب عندنا لا يرتدي اقنعة. فهو لا يحمل اكثر من وجه واحد, يظهره امام السياسي وأمام الاديب .. امام المرأة الجميلة والمرأة القبيحة.. والمثقف عندنا لا يعتبر ابداً ان العالمية او الوصول الى القارئ الغربي تبدأ بشتم ثقافته وحضارته وبلده ولا يقبل بتغيير مبادئه مقابل الظهور في الفضائيات الاجنبية ولا في المهرجانات الملغومة.
فشكراً لله ان مثقفينا ليسوا مثل مثقفي تلك البلاد.. اقول بعضهم وليس كلهم.