تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر

Attr

الخميس 7 /10/2004
أنيسة عبود
نامي الليلة أيتها الذاكرة

لا أحب فتق السنين والانحناء على اشلائنا التي تتحرك بيننا.‏

أخاف ان يأتي اليوم الذي ننظر فيه الى وجوهنا فلا نعرفها وإلى اسمائنا فلا نتذكرها .. اخاف ان نتساءل: هل يعني لي هذا الاسم شيئاً?! أو كأني مررت بهذا الوجه. أو كأن هذه اللغة تشبه لغتي.‏

تشرين جاء بالأمس .. وقف طويلاً على السفوح .. لم يصعد اليه الشهداء .. ظلوا في قبورهم يرقبون المشهد القادم من وراء الزمن الجديد.‏

تشرين جاء يوم كنّا صغاراً, حملنا له خبز التنور (وكماج) الجدّات وهرعنا اليه نريد الذهاب معه .. لم يأخذنا بل ربت على دفاترنا وأخذ معه إخوتنا الكبار ومضى .. بعضهم عاد .. بعضهم لم يرجع .. عادت قلادته المعدنية فحملتها أمه وراحت تبكي.‏

يندهش الشهداء لم تبكي الأمهات.‏

ويندهش بحرنا من تلك الليلة المضيئة وانصهار الهواء ليصل السماء بالأرض ولترتفع راية الوطن عالية.‏

***‏

نامي الليلة أيتها الحسرة‏

لا اريد ان أوقظ دفاتر الاملاء ولا أرغب بالالتفات الى الوراء .. لكنه الزمن .. كان غير هذا الزمن .. والناس غير هؤلاء الناس .. وكان تشرين يشبهنا ونحن نركض على الطريق الترابي أو نتسلق سور المدرسة ونهرب من التلقين والتدوين .. وإذ ينزل المساء بارداً, جافاً, نلتف على (حماة الديار) كي نتدفأ.‏

ثم نبدأ رسم علم يرفرف فوق جبل الشيخ وقرىً تهم بالمجيء الينا.‏

كانت القرى واسعة جداً.‏

والكتب كانت واسعة.‏

لم تكن السجون قد اقيمت للكتب. ولم تكن القيود تلجم القصيدة.. شاسعة كانت الاناشيد كأنها النفوس الأبية. لا.. لم تكن الكتب تقبل الانصياع لقوة التحريف والتجويف.‏

الآن يطلبون من الكتاب ان يحذف عناوينه او يحذف اسماء قرائه.. وقد يجلدونه اذا غنى قصيدة الفرزدق او تنادى بقصيدة للمتنبي.‏

لماذا اختلف الزمن هكذا?! لماذا لا يرجع تشرين مرة اخرى?‏

فنركض وراءه نحمله الهدايا لشجر الجولان.. ويعود إلينا بعمامة الشيخ بيضاء ناصعة?‏

لماذا اختلف الناس واصطف المنافقون في الرتل الأمامي?‏

لماذا لا تنقلب الكراسي على اللصوص الذين يعرضون سرقاتهم في سوق المقهورين?!‏

كأنه زمن آخر هذا الذي يسير بيننا? يحمل العصا.. ويحمل القنابل الموقوتة ويفرض علينا ان نستضيفه. كأنه زمن (القابض على الحق كالقابض على الجمر).‏

ماذا يجري أيها الزمن? بالأمس كان تشرين هنا.. وكانت البلاد كهذه البلاد غير ان الناس غير هؤلاء الناس.‏

تمر بنا الأيام (كلمى جريحة) فلا يرف لنا جفن.. وتصرخ بلاد من وراء البلاد (وا معتصماه) فنبارك للذي لم يسمع وتنبح كلاب (الحوأب) فنقول ذلك تغريد القطا.. ما الذي يجري أيها الزمن? الجرحى يئنون خلف الأبواب المغلقة والجسد ضاق على روح تأبى القهر.. عجّلْ أيها الزمان بصبح جديد يعيد تشريناً جديداً.‏

 

 أنيسة عبود
أنيسة عبود

القراءات: 30382
القراءات: 30388
القراءات: 30380
القراءات: 30388
القراءات: 30384
القراءات: 30384
القراءات: 30386
القراءات: 30378
القراءات: 30387
القراءات: 30390
القراءات: 30386
القراءات: 30387
القراءات: 30385
القراءات: 30387
القراءات: 30383
القراءات: 30385
القراءات: 30384
القراءات: 30389
القراءات: 30397
القراءات: 30385
القراءات: 30386
القراءات: 30391
القراءات: 30393
القراءات: 30385
القراءات: 30384
القراءات: 30386
القراءات: 30382
القراءات: 30384

 

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية