هو لم يخلق بهذا السوء
ربما كان وديعا, وربما كان يريد ان يعيش محترما, يبني بيتا, ويكوّن اسرة كباقي الناس. لكن باقي الناس ليسوا هكذا.. لقد اكتشف ذلك واكتشف كيف يسعى القوي لالتهام الفقير.. وكيف يسعى الجلاد الى القتل والتدمير.. ويالهول ما اكتشف- هكذا اظن- او قد يكون في غفله من امره الى ان استيقظ ورأى قصرا منيفا ينبت فجأة قرب بيته الترابي. او رأى جاره وابنة جاره واختها وخالتها وعمتها كلهن يعملن موظفات محترمات واظن قد فاجأته دموع ابنه الشاب العاطل عن العمل منذ سنوات طويلة مع انه يكتب الشعر ويحفظ كل قصائد محمود درويش بل اظن انه اندهش من والدة السيد » زاهر« التي ماتت في غرفة حقيرة مطمورة بالاثاث المهترئ بينما السيد زاهر يرسل زوجته كل سنة الى اوروبا للاستجمام.
ولعله : ضاقت به الدنيا لأن طموحاته اكبر من الدنيا, ولأسباب لا أعرفها, أو لاأستطيع تذكرها تحول الى كاتب محترف بخط جميل, كما هو ابو سمعان جارنا.
في الحقيقة ابو سمعان لم يكن اسمه »ابو سمعان « بل كان اسمه »ابو حكيم«.. بعد ذلك ولاسباب قلت لكم أجهلها - وأكتفي بالظن والتخمين - تحول الى » ابو سمعان« بحيث لم يعد مرغوبا بين الجيران, وبمجرد حضوره الى اي مكان » تنفلش « المجموعة ويذهب الناس عنه لانه يسمع هسيس العشب وثرثرة الجدران, وينصت الى غبار الطريق ويتساءل : كيف أفاق الغبار من نومه ومن مرّ على ذراته الناعمة ? أهو أنسٌ أم جنٌ أم خيال?!
ويؤول ماذا تقول الاشجار للريح? ويفسّر كلام العيون للعيون. ويعرف من قطف ورود جارته, ولمن لوحت بيدها شجرة الصفصاف, ثم ينزوي ليلاً في ركنه السري ويدبج الحكايات والروايات الشيقة مضيفا إليها البهارات اللازمة لتشكل صدمة نوعية ثم يغلفها بغلاف أنيق, ويرسلها بعدة نسخ مؤطرة بلا عنوان او بعنوان وهمي فهو لاتعنيه الشهرة التي يجرجر الكتّاب ارواحهم وراءها.. المهم أنه كتب بخط جميل وأرسل أدبه العظيم الى جهات كثيرة أنا لاأعرفها وأنتم لاتعرفونها, بعد ذلك قد يرى الجيران جارهم العجوز - بطل رواية » أبو سمعان « - يتعكز على زوجته العجوز عائداً من مكان - أنا لاأعرفه - وقد رفع يديه الى السماء شاكياً » أبو سمعان « الى ربّ العالمين.
أبو سمعان فصيح .. انتبهوا إذا مرّ بكم فلا بدّ ان يجاملكم ويحترمكم ثم يخترق سكونكم وهدأتكم ويدبج مديحا رائعا بكم .. او يجعلكم أبطالا متمردين كما يحلو له فيقول: إنكم شتمتم القصر الذي على باب المدينة, وإنكم دستم ورود حديقة الملك .او إن أحدكم أرسل الرسائل الغرامية للأميرة ديانا حيث إنه لايتابع كثيرا تفاصيل المشاهير من خارج البلاد إلا للضرورات الأمنية . لاتبتسموا .. أبو سمعان معروف في حارتنا لايترك شاردة ولا واردة إلا يؤرخها ويسجلها في صادره المعروف الذي يرسله الى جهات عديدة تعميماً للفائدة ونشراً للأدب النظيف.
في آخر مرة رأيته سمعته يقول: إنه يسعى جاهداً لاستلام منصب مهم ولكن هذا يحتاج - حفظاً لماء الوجه - الى تكديس الدالات أمام اسمه الطويل المعروف ثم أردف : على كل حال اذا كان الأمر يتوقف على الدالات فهذه مشكلة محلولة والموضوع لايحتاج الى اكثر من سفرة او سفرتين لكنه مشغول الآن بتدريب اولاده على التوصيف والتوثيق ولقد بدؤوا فعلاً التوثيق.. فالله يستر ان يصل التوثيق الى بيت خالتي.