باول يدرك أن الفلسطينيين لا ينتظرون منه الاعتراف بما حققته الانتفاضة لهم, ولكن كان عليه أن يأخذ بعين الاعتبار الاعترافات والتقارير الإسرائيلية عن الخسائر الكبيرة التي أوقعتها الانتفاضة بالجانب الإسرائيلي في جميع الأصعدة, وربما رأى باول أن من الأفضل تجنب الحديث عن هذه الخسائر لأن بلاده تتكفل بتعويضها من حساب دافعي الضرائب الأميركيين.
لقد كان حرياً بباول أن يسأل نفسه أولاً وإدارته ثانياً, والرباعية الدولية من بعد, من المسؤول عن تدمير عملية السلام قبل أن يسهم في زيادة الكره للسياسة الأميركية ويتهم الفلسطينيين زوراً وبهتاناً بهذه المسؤولية.
من المؤكد أن باول وبقرارة نفسه يعي ويدرك بأن إسرائيل هي المسؤول الأول والأخير عن تعثر عملية السلام, فهي التي رفضت مبادئها وأسسها وتنكرت لاتفاقات أوسلو وغيرها من الاتفاقات اللاحقة, وأيضاً هي التي رفضت خارطة الطريق وقابلت المبادرة العربية للسلام باجتياح واسع للأراضي الفلسطينية, مخلفة الدمار الهائل وجرائم الإبادة الجماعية التي لا تزال مستمرة حتى الآن.
وأيضاً من المؤكد أن باول المعروف بذاكرته القوية لم ينس مطالب السلطة الفلسطينية والمجتمع الدولي المتكررة لبلاده, بالضغط على إسرائيل لإنهاء احتلالها للأراضي المحتلة عام 1967 وتنفيذ الاتفاقات المبرمة مع هذه السلطة, والأهم من ذلك القبول برؤية بوش لإقامة دولة فلسطينية عام 2005 وخارطة الطريق التي صيغت وأعدت بأيدي المسؤولين في الإدارة الأميركية, وعلى رأسهم العاملون في الخارجية الأميركية.
لاشك أن باول قد أحرج بالسؤال عن رأيه بالانتفاضة في هذا التوقيت الشديد الحساسية الذي يسبق الانتخابات الرئاسية الأميركية بأسابيع قليلة, وتفادياً منه بعدم إطلاق أي تصريح يزعج اللوبي الصهيوني (اللاعب الهام في هذه الانتخابات) اختار الطريق الأسهل بكيل الاتهامات إلى الفلسطينيين الذين لم يترك لهم الإرهابي ارئيل شارون سوى المقاومة لدرء العدوان والإرهاب الإسرائيلي.
إن إعادة تأكيد باول رغبة بلاده برؤية دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل يثير الاستغراب والدهشة في ضوء تقاعس بلاده عن فعل أي شيء يسهم في تحقيق هذه الرغبة, ومع ذلك نقول للسيد باول إن تحقيق هذه الرغبة من جهة وإنجاز السلام في المنطقة من جهة أخرى, يتوقف على اتخاذ بلاده قراراً استراتيجياً بالضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967 والتخلي عن سياسة الإرهاب والعدوان, فذلك يحقق الرغبة الأميركية برؤية دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل, وكذلك يحد من الكراهية المتنامية للولايات المتحدة وسياستها الخارجية في المنطقة والعالم.