وتناقلت وسائل الاعلام اخبارها, ففي حين حوكم بعضهم ونال جزاءً عادلاً وفق انظمة المساءلة والمحاسبة المعمول بها في تلك البلدان, فقد اقدم بعضهم الآخر على الانتحار -وخاصة في اليابان- تحاشياً للتداعيات الاخلاقية للفضيحة.
وأود الاشارة هنا الى تلك الثنائية -الأخلاق والمساءلة- التي تشكل العمود الفقري لعملية الرقابة بالقول: إنه لا يمكن التعويل على أحد طرفي الثنائية في انجاز عملية الرقابة دون الآخر ذلك لأن كلاً منهما ينتج الآخر ويشرعنه في كل مرحلة, فالاخلاق العامة بالمعنى الجدلي.. الواجب والمسؤولية والكرامة وغيرها, هي التي تصوغ حرفية القوانين الوضعية ونصوصها, وبها تكتسب القوانين اجماع الناس واحترامهم, وحتى التزامهم بها, وبالمقابل فإن القوانين تكرس الاخلاق العامة تلك وتنظم حضورها في الحياة اليومية للناس, في علاقاتهم بين بعضهم البعض, وفي علاقتهم بالدولة.
ولأن العلاقة بين الأخلاق والقانون هي على هذا النحو من التشابك العضوي والبنيوي بينهما, فإن من غير المفيد النظر الى ظاهرة الفساد والتصدي لمعالجتها على انها خرق للقانون فحسب, او جرح للنسق القيمي فقط, بل على انها انتهاك صارخ لكلا الاثنين معاً, الأمر الذي يعني انها ظاهرة مضاعفة الاخطار, بل متعددتها, خاصة عندما تستشري هذه الظاهرة في المؤسستين القضائية والتعليمية اللتين تتصلان مباشرة وبحكم مكوناتهما بالجانب الأخلاقي وانساقه القيمية.
وتأسيساً على ذلك نقول: إن انهيار او غياب أحد وجهي ظاهرة الفساد, القانوني من حيث ميوعة واختراق تشريعات المحاسبة والمساءلة, او الاخلاقي من حيث تداعي الاثر الاجتماعي للظاهرة على المفسد او الفاسدين, يؤدي بالضرورة ايضاً الى انهيار او غياب الوجه الآخر, وبالتالي, تفاقم الفساد واستشرائه.
ولعلنا لا نبالغ القول: إذا قلنا ان الكثير من حالات نظافة اليد وحسن الائتمان لم تعد موضع امتداح او اعجاب, بل باتت تصنف في خانة الفرص الضائعة والعجز عن استغلال الموقع او المسؤولية ما يعني بالمقابل ان تشريعات المحاسبة والمساءلة لم تعد بدورها موضع اجماع واحترام, وذلك لأنها باتت عرضة للاختراق والتجني المتكرر.
والواقع, ان الحاجة تبدو ماسة اليوم في مواجهة حالة الفساد التي نعانيها, الى تشديد قوانين المساءلة والى تشديد العقوبات الرادعة, والى استخدام الوجه الاجتماعي والاخلاقي كواحد من وجوه العقوبة وانواعها.
واذا كان لنا ان ننقل احاديث الناس, او بالاحرى ضميرهم ووجدانهم فهذا جزء واسع ومهم من هذه الأحاديث, والعاقبة لمن يسمع ويصغي!!