هكذا يصف الإسرائيليون المشهد, ويضيفون عليه إعلان الحرب من قبل المتطرفين والمستوطنين الذين لم ترق لهم فكرة تصديق شارون في مسعاه للانسحاب من غزة, حتى وإن افترضوا المقارنة بين تفكيك أي مستوطنة وبين مزرعة شارون.
ويتوازى ذلك مع إضافات أخرى خرجت من نطاق الهمس والسرية إلى العلن, مفادها أن الفاصل الزمني الذي كان يراهن عليه شارون قد مضى دون أن يتمكن من تنفيذ مخططه, أو الإيفاء بوعوده, وأن كل الحركات الدعائية التي قام بها لم تشفع له.
ويدللون على هذا الاتجاه من خلال التركيز الذي تعاطت به الأوساط الإسرائيلية مع الإحصاءات والأرقام المعلنة لحصيلة الانتفاضة بعد أربع سنوات وخصوصاً تلك الممتدة في عهد شارون, والتي شهدت تحولات نوعية طغت على مظاهر القوة التي تسلح بها.
ويشددون على ما أفرزته التطورات الأخيرة من تداعيات اقتصادية واجتماعية وحتى سياسية, ولا سيما المتعلق منها بتوزع الخارطة السياسية الإسرائيلية والمبالغة في حجم التطرف الذي طغى على ما عداه, وأضحى يشكل الوجه الوحيد الذي يمكن رؤيته لإسرائيل.
وهذا على الأقل ما تظهره صورة إسرائيل لدى المجتمع الدولي, وفي أوروبا بالتحديد, حيث تحتل الموقع الأسوأ مع الولايات المتحدة في عهد الرئيس بوش الابن, وتتصدر دون منازع المركز الأكثر خطراً على استقرار العالم وعلى الأمن والسلم الدوليين بنظر الأوروبيين على الأقل.
هذا النتاج السياسي, وذلك الحصاد المر, يدفع بكل الاستنتاجات والقراءات إلى التأكيد بأن تلك الأشهر, زادت من الضغوط على شارون وهو يسابق الزمن, حتى اضطر مراراً إلى السير منفرداً في خطته ورفع من وتيرة التهديد لمعارضيه.
وإذا كان قد انتزع موافقة مجلسه الحربي المصغر على الخطة بشق الأنفس, فإنه واجه بالمقابل تداعيات, دفعت بالمتطرفين إلى إسقاطه من حساباتهم وإلغاء وجوده في الخارطة التي تبنوها.
على هذا الأساس تقترب المعادلة من نهايتها, والمشروع الصهيوني الذي اعتاد استهلاك أكثر الذين اندفعوا في تمجيد خطواته, لن يستثني شارون, بل على العكس فإن استهلاكه أضحى من الضرورات, كما هو من الأولويات.
وبين الأولويات والضرورات يتقاذف الإسرائيليون مواقفهم, ويتبادلون فيها المواقع, فيما يظل التطرف الأوفر حظاً في كسب المعركة, بعد أن اعتاد على ذلك الكسب بحكم البنية العدوانية والتوسعية للمشروع الصهيوني وتركيبته العنصرية المتطرفة التي تترسخ أكثر.
لذلك لم تعد الأيام المتبقية أكثر من مشاهد سباق تتعالى فيه المزايدات في حين تتحول شعارات المؤيدين لشارون إلى مجرد يافطات مهترئة يشكل اجترارها مغامرة غير محسوبة العواقب, وتفتقد للحد الأدنى من عوامل الأمان التي يخشى الإسرائيليون المغامرة في امتطائها.