ولاسيما في ولاية فلوريدا كما جرى في الانتخابات الماضية, ذلك أن الإدارة الحالية لم تتخذ أي خطوات لتصحيح الأخطاء التي تتعلق بالنزاهة والشفافية.
وخروج الرئيس كارتر عن صمته والتعبير عن هواجسه الانتخابية في مقال صحفي يحمل مدلولات عميقة, ربما يكون أهمها الطعن في النظام الديمقراطي الذي تدعيه الولايات المتحدة وتقدم نفسها للعالم على أنها النموذج الأكثر ديمقراطية, فيما ينطوي هذا النظام على كثير من المغالطات والفجوات والممارسات الانتخابية المنحازة أو المحكومة باعتبارات وأساليب مضللة تعكس حالة هي أبعد ما يكون عن الديمقراطية.
فالرئيسان جيمي كارتر وجيرالد فورد اللذان ترأسا اللجنة الوطنية في أعقاب انتخابات العام 2000 الأكثر إثارة للجدل في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي حسمتها المحكمة العليا في الولايات المتحدة لصالح الرئيس بوش, كانا قد خلصا إلى ضرورة القيام بإجراء تغييرات وإصلاحات في نظام التجمع الانتخابي, غير أن إدارة بوش لم تجر الإصلاحات المطلوبة, الأمر الذي جعل الرئيس كارتر يحذر من تكرار الإشكاليات في الانتخابات القادمة.
وإذا كان كارتر قد أعلن عن مخاوفه, فإن مراكز أبحاث أميركية أشارت مؤخراً إلى حقيقة التضليل والابتزاز الذي يتعرض له المجتمع ا لأميركي والناخب لجهة دفعه إلى الاختيار تحت التهديد الإرهابي المزعوم, ووضعه في أجواء توحي له بانعدام الأمن والاستقرار بدعوى انتشار الإرهاب وتهديده المستمر باستهداف الأمن القومي الأميركي, وبالتالي دفعه لانتخاب بوش الذي قدم نفسه غير مرة كرئيس للحرب.
وعلى الرغم من اكتشاف المجتمع الأميركي عدم صحة الادعاءات التي روجت لها الإدارة الأميركية, وبالرغم من سقوط جميع ذرائع الحرب العدوانية على العراق, واعتراف جميع المسؤولين في إدارة بوش بالأخطاء التي ارتكبوها, فإن هذه الإدارة وبدلاً من أن تندفع إلى التعامل بشفافية مع المجتمع والناخب الأميركي فتقر بأنها جعلت البلاد أقل أمناً وأكثر عزلة على المستوى الدولي, على العكس تماماً, فإنها تصر على مواصلة سياستها مشفوعة بإعطاء الأميركيين جرعة - إرهاب وتخويف وتهويل - أكثر تعاظماً من تلك التي أعطيت لهم عبر وسائل الإعلام في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من أيلول.
إن اعترافات باول ورايس وغيرهما بشأن عدم صحة المعلومات التي قادت إلى الحرب على العراق.. إضافة إلى اعترافات الجنرالات العسكريين حول واقع وحقيقة المأزق السياسي والعسكري في العراق.. يضاف إليها اعترافات كبريات الصحف الأميركية بأنها هللت وطبلت وقدمت للحرب دون تدقيق في المعلومات وبأوامر عليا من الإدارة الأميركية, لا شك أنها ستشكل عنصراً مهماً في حسم المعركة الانتخابية الأميركية مهما بلغ مستوى التضليل الإعلامي والسياسي الذي تتسلح به إدارة بوش.
لكن المسألة الأهم في هذه الانتخابات والجديرة بالاهتمام هي امتناع الإدارة الأميركية عن القيام بالإصلاحات الديمقراطية المطلوبة, ذلك أن إدارة بوش التي أتخمت العالم قولاً ومطالبة بإصلاحات ضرورية هنا وهناك بدعوى الحرص على الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان, تمتنع عن إجراء إصلاحات تمس جوهر نظامها الديمقراطي وتجعل الشكوك فيه ترتقي إلى اليقين بعدم شرعيته, وبالتالي الطعن بشرعية النتائج التي تترتب عليه, فعن أي ديمقراطية تتحدث إدارة بوش?!
وأي نموذج للديمقراطية ذلك الذي تريد تعميمه على العالم?!