والأمر اللافت في موضوع الدروس الخصوصية أنها لم تعد تعتبر مشكلة بذاتها , ولاينظر إليها الأهلون او المشرفون على العملية التعليمية بأنها مرض بحد ذاته ,كما لاتبدو دلالات تشير الى احتمالات مناقشتها من قبل القائمين على ادارة التعليم في كل من وزارتي التربية او التعليم العالي على حد سواء ..
ويبدو أن الجميع يتعامل معها كأمر واقع إضافة الى أنها الضرورة اللازمة للنجاح والتفوق.
والغريب أن هذه الظاهرة لم تكن تحظى بأي اهتمام قبل أكثر من عقدين , إذ كان المعلمون يركزون عصارة عطاءاتهم في قاعات الدرس , كما ان الطلبة يدركون بأن الدروس تعطى وتشرح لمرة واحدة في القاعات ذاتها , وربما لجأ المعلمون أحيانا لإعطاء دروس إضافية خارج أوقات الدوام , كان الهدف منها استدراك الدروس التي لم يسمح الوقت المخصص بشرحها.
أما واقع الحال الراهن فيشير الى استشراء هذه الظاهرة حتى غدا بعض الطلبة يطالبون أهليهم ببعض الدروس الخصوصية منذ بداية العام وقبل الشروع في دراسة أي مادة بحجج واهية , بعضها أن المعلمين لايستطيعون إيصال المعلومة الصحيحة الكاملة الى جميع الطلبة , والغريب هنا أن المعلم نفسه يكون الشخص الذي يعيد نفس المعلومات على مسامع بعض طلابه, ولكن في بيوتهم .
وتبدو فداحة المشكلة النائمة في تحويل شكل وهدف التعليم بحد ذاته عن فلسفته الطبيعية والمنطقية.
وتحويل المعلمين باتجاه التركيز على الدروس الخصوصية خارج البنى المؤسسية وصرفهم بالتالي عن مهماتهم الأساسية , المنصبة أصلا على التعليم المنظم في المؤسسات التربوية والتعليمية القائمة , وهنا أصل المشكلة التي توصف بالجنوح في بعض المجتمعات والدول الأخرى التي تمنع على معلميها إعطاء دروس خاصة مأجورة لطلابهم , إذ إن ذلك يدخل في إطار التقصير الوظيفي الذي يستوجب العقوبة , وبالفعل تعاقب المؤسسات التربوية المعلمين المخالفين الذي يعطون دروساً خصوصية وتصل الى حد طردهم من التعليم الرسمي .
ولعلمي باستحالة الانتهاء من هذه الآفة بسهولة, أراني اقترح على وزارتي التربية والتعليم إيلاء هذه المشكلة ما تستحق من اهتمام, والتركيز على العطاء المتكافئ للمعلمين وتشجيعهم على المضي قدما في هذا الاتجاه , بعد تأمين احتياجاتهم المعاشية التي دفعت سابقا إلى انتشار تلك الظاهرة..