لقد استغل الإرهاب السياسة الأميركية غير المتوازنة ذريعة لضرب الولايات المتحدة من قبل تنظيمات كانت تلقى الدعم من السياسة الأميركية نفسها لقاء خدمات تقدمها لهذه السياسة في أوقات سابقة, وهذا أحد الأسباب الذي كان يجب التوقف عنده لدى طرح شعار الحرب على الإرهاب, لكن ذلك لم يحصل لأسباب تكمن في نزوع المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية نحو استغلال ماحدث في تنفيذ المخططات الجاهزة والمعدة مسبقاً والتي جرى تطويرها لاحقاً بما يتماشى مع النزعة الإمبراطورية الأميركية للسيطرة على الشرق الأوسط والعالم.
وحين وقعت الأحداث المؤلمة يوم 11/9 تضامن العالم كله مع أميركا, ولم تبق دولة إلا وعبرت عن حزنها العميق وأسفها البالغ لما حدث ونتائجه المأساوية, وكان من المفترض أن يشكل هذا الموقف الدولي فرصة سانحة للبحث في أسباب الإرهاب وجذوره وتحديد تعريف دقيق وموضوعي له, وصولاً إلى تعاون دولي فاعل ومؤثر في مكافحته والقضاء على جذوره وتجفيف منابعه, لكن هذا لم يحصل أيضاً لأنه لو حصل لجرى تصنيف إسرائيل في رأس مصادر الإرهاب والكيان الذي يمارسه بأبشع أشكاله السياسية والمادية والمعنوية على نحو رسمي, ولجرى أيضا تصنيف السياسة الأميركية نفسها على أنها سياسة داعمة للإرهاب بحكم تحالفها ودعمها غير المبرر للإرهاب الإسرائيلي, وبحكم خلطها التعسفي بين الإرهاب والمقاومة عندما تصر على وصف العدوان الإسرائيلي بالدفاع عن النفس,ووصف مقاومة الشعب الفلسطيني لأعتى أشكال القتل والإذلال وحروب الإبادة والتدمير الممنهجة لحقوقه وأسباب حياته بالإرهاب.
وحين طرحت الإدارة الأميركية الحالية شعارها(إما معنا وإما ضدنا) واعتمدت منطق القوة الأخرق والسياسة الأحادية بعيدا عن مبدأ الحوار والتعاون البنّاء مع الأسرة الدولية في مكافحة الإرهاب,كان من الطبيعي أن تعطي هذه التوجهات نتائج عكسية تجلت في تزايد الإرهاب وتغذيته, وفي انفضاض العالم من حول الولايات المتحدة بعد تورطها في حربين ظالمتين عادتا عليها بمزيد من الكراهية لنتائجهما الكارثية على الشعبين الأفغاني والعراقي, وللتداعيات السلبية الخطيرة لكل منهما على الاستقرار الإقليمي والسلم الدولي.
إن مكافحة الإرهاب عمل إنساني يجمع العالم كله على ضرورته لأهميته في ضمان الاستقرار الدولي والتخلص من آفة تهدد الأمن الوطني والقومي للدول والشعوب,لكن المهم في هذه المكافحة هو إرساؤها على أساس الحقيقة المغيّبة عنها والتي تتجلى بضرورة التخلي عن الازدواجية والانتقائية وتصنيف كل من لايتفق مع التوجهات الخاطئة والمتغطرسة للسياسة الأميركية ومواقفها غير المتوازنة بأنه إرهابي.
ولئلا تكون مكافحة الإرهاب ذريعة للخلط بينه وبين المقاومة المشروعة, كانت سورية بحكم تعرضها للإرهاب المدعوم من الخارج, وبحكم تجربتها في مكافحته بحكمة وموضوعية,في مقدمة الدول التي دعت إلى مكافحة الإرهاب بمعالجة أسبابه والتعرف إلى جذوره وتحديد معنى دقيق وموضوعي له والتفريق بينه وبين المقاومة.
لكن سياسة خلط المفاهيم والمصطلحات والحقائق التي اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بضغط من إسرائيل لإبقائها بعيدةً عن تهمة الإرهاب التي تلبسها تاريخياً,أضاعت فرصة نادرة لإنضاج مكافحة ناجعة للإرهاب كان من الممكن لو استفيد منها أن يتم وأد الإرهاب في مهده.
ومهما يكن من أمر تداعيات أحداث 11/9/ 2001 فإن الوقت لايزال متاحاً لمكافحة مجدية للإرهاب, وإن فرصة إنضاج هذه المكافحة لاتزال قائمة في التحاور حول أسبابه وجذوره,وفي تعريفه على نحو موضوعي وفي التخلي عن سياسة الخلط المتعمد بينه وبين المقاومة, وامتلاك الجرأة الكافية لوصف إسرائيل على حقيقتها كدولة تمارس الإرهاب الرسمي ضد الشعب الفلسطيني والدول العربية بدعم رسمي من الولايات المتحدة التي تشكو الإرهاب وتدعي مكافحته وما لم ترس مكافحة الإرهاب على هذه الأسس فلا أمل في القضاء عليه وتخليص العالم من آفته وشروره.