فالاتفاق على أهمية استمرار الحوار والتشاور بين سورية والولايات المتحدة الأميركية يجسد خطوة في الاتجاه الصحيح ,.. والاتفاق على وضع آليات مناسبة لتعميق الحوار الثنائي يعتبر خطوة ثانية في الاتجاهين .. اتجاه مصالح الولايات المتحدة الأميركية كما يراها الشعب الأميركي واتجاه مصالح سورية كما يراها الشعب السوري.
أما النقلة الأهم - إذا ما كتب لها الحياة - فهي نقلة الاتفاق على مبدأ الحوار, بعيداً عن لغة التهديد .. والوعيد.. والمواقف الاستباقية, المبنية على أوهام بعض مخططي السياسة الخارجية الأميركية, ونعني بهم المتطرفين .. والمحافظين الجدد الذين يحاولون التواري عن أنظار الرأي العام الأميركي, كل¯ّما اتسع المأزق الأميركي في العراق من جهة .. وكل¯ّما اتضحت وانكشفت سياسات التضليل التي مورست , والذرائع التي بنيت على أساسها الحرب (الاستباقية) المكلفة مادياً وبشرياً من جهة ثانية.
فالحوار العقلاني المستند إلى حقائق التاريخ والجغرافيا فضلاً عن حقائق الحياة, يؤسس لقواسم مشتركة, يمكن البناء عليها إذا ماتوفرت النيات الحسنة, والدوافع النقية من شوائب أصحاب المصلحة بتفجير الاوضاع.. وتوتير الأجواء, والقنص في الزمن الضائع.. والاستفادة من كوارث الآخرين, واغتنام فرص التوتر لتحقيق المزيد من التوسع والاستيطان والاحتلال.
من هنا عبّرت الخارجية السورية عن ارتياحها للحيّز الذي أخذه الحوار والمتصل بالتعاون بشأن العراق, واعتبرت أن هذا الاهتمام يشكل نقطة, إيجابية تلتقي مع مواقف سورية المعلنة تجاه العراق, وخاصة مايتصل بالحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً, والحرص على أمنه واستقراره.
وإذا ما أرادت الإدارة الأميركية تسجيل نقاط حوارية متعددة الجوانب والوجوده ومتعددة الفوائد والنتائج فستجد في الحوار ضالتها ومفقوداتها, وخاصة إذا ما أرادت تحقيق السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط, وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الشأن.
فبهذه الرؤية تتبدل صورة الولايات المتحدة الأميركية القاتمة, ويتبدل دورها من طرفٍ يشكل الحماية والدعم والمساندة للمعتدي والمحتل والإرهابي, إلى طرف الراعي النزيه الذي من واجباته ومهامه, إحقاق الحق, وحماية العدالة الدولية, وصيانة الأمن والاستقرا في المنطقة والعالم, ومن ثم الانصراف إلى توظيف الامكانات الكونية لبناء مستقبل الإنسان وتعزيز دوره الحضاري, لا لقتل الإنسان وتقويض انجازاته العلمية وتسخيرها لتعميم الموت ونشر الدمار.. وتهديد المستقبل بالحروب (الاستباقية) القائمة على أسباب وهمية.. وهل أكثر وهماً من أسلحة الدمار الشامل العراقية..?..
لقد قلنا من قبل ... وسنؤكد من بعد.. إننا نكن للشعب الأمريكي كل الاحترام.. ولإنجازاته العظيمة في خدمة البشرية كل التقدير.. ولإسهاماته الجادة في تعميق أواصر المحبة بين الشعوب كل العرفان والجميل ولهذا فإننا معنيون بالحوار العقلاني مع إداراته المتعاقبة, وحريصون كل الحرص على أن نتعامل مع هذه الإدارات بعيداً عن التأثير والضغط الصهيوني الذي تمارسه دوائر صنع القرار المرتبطة مصالحها الأنية والأنانية بمصالح المحتل الإسرائيلي, الذي دمّر فلسطين وشعبها.. بشرها والحجر, ولا يزال وبالدعم الأمريكي غير المحدود.. وغير المسبوق معاً.
لقد شكلت محادثات المبعوث الأمريكي وليم بيرنز أرضية مشتركة للحوار.. سواء لجهة الوضع في العراق.. أم لجهة تكريس مبدأ الحوار والتشاور والاتفاق على الآليات التي تسهم في تعميق هذا الحوار, وعلى مختلف المستويات.. أم لجهة تجديد الالتزام الأمريكي بإحلال السلام العادل والشامل في المنطقة, وضرورة إنهاء العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وما نرجوه أن تشهد الأيام القليلة القادمة تكثيفاً للقاءات, والاسراع في إيجاد أرضية صالحة للحوار, وإيجاد الحلول البناءة للمسائل القائمة والعالقة, لتحقيق أفضل النتائج حسب المبعوث الأمريكي, قبل أن تُفسد دوائر الضغط الصهيوني هذه الأجواء.. وقبل أن تبددها المصالح الصهيونية الدخيلة على مصالح الشعب الأمريكي, والمستغلّة ظروفه الراهنة, سواء على صعيد موسم الانتخابات الأمريكية أم على صعيد المأزق الذي تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية في العراق.