فخلافاً لتوجهات المنظمة الدولية التي أقرت بجهود الحكومة السودانية في الإقليم وباستقرار الأمن واستتبابه في معظم مناطقه الشاسعة وابدائها الرغبة في الاستمرار بالتعاون مع الخرطوم لإيجاد حل نهائي لهذه المشكلة ,تعمل أميركا في اتجاه مخالف تماماً لهذا الموقف الأممي ,وبما يسهم في تصعيد الأوضاع من جديد, وذلك بإصرارها على استصدار قرار جديد, من مجلس الأمن يقضي بفرض عقوبات على السودان.
وبغض النظر عن هدف وغاية التحرك الأميركي, وفيما إذا كان يندرج في سياق سياسة الضغط والابتزاز التي تمارسها إدارة بوش على السودان منذ سنوات ,أم في إطاره الجدي فإن طرح هذا الموضوع وبهذا الشكل من التحدي لإرادة المجتمع الدولي, وفي الوقت الذي لا تزال المفاوضات بين الحكومة السودانية والأطراف المتخاصمة جارية, يفتح الباب أمام مزيد من المناورات السياسية والعملية من قبل بعض الأطراف المتصارعة, والتي تعمل على تدويل الأزمة بهدف تحقيق مكاسب سياسية ضيقة, من شأنها في نهاية المطاف المساس بوحدة السودان الجيوسياسية واستمرار القتال داخل هذا الإقليم وامتدادة ربما إلى أقاليم أخرى.
المفارقة في الموقف الأميركي لاتكمن في تعاطيه المزدوج مع أطراف الخلاف ,ومع المجتمع الدولي أيضاً, وإنما بكونه يتناقض مع الدعوات الأميركية, للحكومة السودانية بإحلال الأمن والاستقرار مع الإقليم وبنفس الوقت التشكيك بقدرة هذه الحكومة على القيام بذلك.
فهذا التعاطي الذي يقرن ويمزج بين أسلوبي الدعوة والحوار والضغط والابتزاز كشف القناع عن الوجه الأميركي القبيح إزاء التدخل السافر في الشؤون الداخلية السودانية.
فلو أن الإدارة الأميركية ,تريد حقاً تحقيق الاستقرار في هذا الإقليم كما تدعي ,لكانت وغيرها من الدول التي تدعم موقفها ,تحركت لتلافي تدهور الأوضاع فيه إلى الدرجة التي وصلت إليها, وأدت إلى نزوح الملايين من سكانه, ولكن الوقائع التي تم كشفها وخاصة المرتبطة منها بدعم واشنطن لبعض الفصائل سياسياً وعسكرياً, إضافة إلى تعاملها المزدوج مع المنظمة الدولية في هذا المجال,تؤكد حقيقة النيات الأميركية, بالتدخل في الشؤون الداخلية للسودان عبر السعي إلى تدويل الأزمة, وفرض شروط لحلها تتوافق مع التوجهات الأميركية لمنطقة القرن الأفريقي.
إن استمرار بعض الفصائل المتناحرة في إقليم دارفور, بالمناورة في المفاوضات الجارية في ابوجا, وخاصة حول ما يتعلق بنزع سلاحها أسوة بغيرها, وعدم صدور أي موقف أميركي تجاهها, من شأنه الإطاحة بكل الجهود السودانية والافريقية والدولية الرامية لتطويق الأزمة نهائياً, وإعادة النازحين إلى ديارهم ,والمفترض بالولايات المتحدة إذا ماكانت صادقة في أقوالها, أن تقف على نفس المسافة من جميع الأطراف ,وتتوقف على توجيه المزيد من الرسائل الخاطئة وهو مالم تفعله حتى الآن.