ووصفه هذه المعلومات بأنها من نوعية سيئة,يبدو أنه لن يكون الاعتراف الأخير لمسؤول أميركي رفيع,ولن يكون الحدث الأخير في تاريخ الاستخبارات الأميركية وعلاقتها بالبيت الأبيض وسياساته,ذلك الحدث الذي تسبب بفضيحة كبرى دفع ثمنها رئيس السي أي إيه جورج تينيت.
فالرئيس الجديد لوكالة الاستخبارات بورتر غوس وجه مذكرة إلى العاملين بالوكالة يشدد فيها على ضرورة دعم الإدارة الأميركية وسياساتها,ويتوعد بقمع حالات التمرد المعارضة داخلها,الأمر الذي يؤكد أن غوس سيسعى إلى تجاهل الحقائق غير المرغوب بسماعها من قبل البيت الأبيض,بل سيعمل على قلب وتزوير هذه الحقائق بما يخدم توجهات وسياسة الإدارة الأميركية في الولاية الرئاسية الثانية للرئيس جورج بوش,حتى لو أدى ذلك إلى وقوع مآس جديدة على الصعيدين الأميركي والعالمي.
فمن المعروف أن النظام الاستخباري الأميركي خلال ولاية الرئىس بوش الأولى أضعف الدبلوماسية الأميركية وأفقدها المصداقية,وعرضها لانتقادات عالمية واسعة من خلال المعلومات الكاذبة التي قدمها عن العراق سواء أكان ذلك بمبادرة ذاتية أم بأوامر عليا من صانعي السياسة الأميركية.
كما أن هذا النظام أضعف قدرات الولايات المتحدة الأمنية والعسكرية,ذلك أن اعتداءات أيلول ,2001وعدم العثور على أسلحة العراق المزعومة,واختفاء آلاف الأطنان من المتفجرات العراقية,و....و... مسائل جعلت صورة المارد الأميركي الأكثر قوة وتفوقا تتكسر وتفقد بريقها ومصداقيتها.
ولعل الإدارة الأميركية التي استشعرت في آب الماضي خطر انهيار نظامها الاستخباري وسارعت إلى إصلاح عيوب وكالات الاستخبارات ال¯15وإعادة هيكلتها بصورة جذرية لم تتنبه بعد إلى أن رفضها سماع الحقائق كما هي,يشكل أحد أهم الأسباب التي أدت إلى الانهيار ومواجهة الفضائح والأزمات السياسية والأمنية والعسكرية.
وبالعودة إلى مذكرة غوس التي وجهها مؤخرا إلى موظفي الوكالة المركزية للاستخبارات يتضح أن البيت الأبيض مصمم على جعل السي أي إيه أحد العناصر الأساسية لفريق العمل,وإن ثمة أوامر قد صدرت فعليا لجعله شريكا كاملا في صياغة السياسة الأميركية خلال السنوات القادمة,وبالتالي فإن هذه المعطيات تنذر باستمرار تجاهل الحقائق غير المرغوب بسماعها,وتقديم ما ترغب الإدارة الأميركية بسماعه إلى الرأي العام كحقائق,فهل تدرك الإدارة الأميركية أن وظيفة استخباراتها الأساسية هي خدمة المصالح القومية الأميركية وليس الإضرار بها?!.