لا ريب أن الكلام الأمريكي الذي تلاحق على مدى الأسابيع الفائتة أظهر الاتجاه إلى تفكيك ما تبقى من تلك الجبهة الرافضة لتسوية هي بمثابة الغطاء المخملي للتواطؤ إن لم يكن للانتحار, والرافضة للارتهان الذي يحمل كاتبا ساخرا في إحدى الدول العربية على القول (حتى المواشي عندنا أصبحت تنتظر العلف الأمريكي), والرافضة للتلاشي الجيوبوليتيكي في نظام دولي, له صداه الإقليمي, بقيمه الهمجية, والعمياء, التي تؤول بنا جميعا إلى الموت العبثي في الذات الأمريكية.
ظهر, فعلا, أن العلاقة بين البلدين هي علاقة مصير, لحماية المصير. على الأقل, ماذا يعني توطين الفلسطينيين سوى الترجمة العملانية لتغيير الخرائط. الخرائط الجغرافية فقط أم الخرائط البشرية والتاريخية والحضارية? العودة -على عربة النار- إلى داحس والغبراء.
من تراه يصدق أن واشنطن التي ترعى, أو تصطنع, كما نعلم, أنظمة من طراز العصر الحجري, معنية بالنص الدستوري في لبنان, والى حد حمله إلى مجلس الأمن الدولي, كما لو أن الدستور الأمريكي, وبشهادة أهله, لم يتعرض لمئات التعديلات, وبعدما كان جيمس ماديسون قد قال: إن الدستور يصنع على قياس البشر, وللبشر, لا على قياس الملائكة, وللملائكة!
تقنيا فقط نسأل, أليست الظروف الاستثنائية هي التي حملت الرئيس فرنكلين روزفلت إلى الولاية الثالثة, التي طالما وصفت بالولاية المستحيلة? أو ليست الظروف الاستثنائية هي التي حملت, وعلى قرع الطبول, الجنرال شارل ديغول الى الإليزيه ليبدأ رحلة (الأنف المرفوع) بتفجير دستور الجمهورية الرابعة?
هذا لنتقاطع, ثانية, مع كلام المسؤول اللبناني المحترم, والمنتصب القامة, ونقول: إن اقتناع الأكثرية الساحقة في لبنان بالنهج المشترك للرئيسين بشار الأسد وإميل لحود, بل وبفلسفة الممانعة, في زمن الرؤوس المطأطئة وما أكثرها وما أكثرها, تدرك أن تفعيل ذلك النهج, وتلك الممانعة, لا يتم بواسطة الببغاءات, ولا بواسطة الدمى ولا بواسطة المهرجين الذين يحتمون بحمى الكلام الفارغ, بل واللغة الفارغة, ليفعلوا باللبنانيين ما يفعلونه, ثم يأتي من يقول: (انظروا, إن السوريين يحمون ذاك النوع من البشر..).
نقول هذا لأننا على بينة من أخلاقية الرئيس بشار الأسد, ومن أخلاقية الرئيس إميل لحود الذي قلنا له إننا معه حتى العظم بسبب فاعليته, وأيضا وأيضا بسبب نظافة كفه ولإدراكه (الايديولوجي... إذا جاز التعبير) لمعنى العلاقة بين لبنان وسورية. ثم نقول: هذه فرصة لكي يتم تنظيف العلاقة, وينبغي أن يحدث هذا, من كل الدمى الخشبية, لأن المرحلة التي نعرف كم هي خطرة وكم هي حساسة, تحتاج إلى من يعيش عبقرية العلاقة, وأهميتها بالنسبة إلى عبقرية البقاء, وعبقرية المواجهة, لا أن (يتلطى) وراء التصريحات إياها ثم ينهش العلاقة بأسنانه, كما ينهش دم اللبنانيين ومستقبلهم. والسلام...