ولكن السؤال الفعلي.. متى كان الإخفاق قادرا على انتشال الفشل أو حمايته?
والأكثر من ذلك هل تكفي رأسا واحدة لحماية البقية?
يصعب الجزم في وقت تتداعى فيه المعطيات باتجاه تكريس حال من الإرباك يطغى في الاتجاهين, ويترافق مع حديث مزدوج عن تراجع في شعبية بوش مقابل تفكير بلير بالاستقالة.
ومع ذلك لايزال السجال على أشده, بين من يسأل عن هيبة المؤسسة الاستخباراتية, ومن يراهن على مصداقية المؤسسة السياسيةوفي كلا الحالين لابد من خيط يربط, ستكون ضريبته, تداعيات تستدعي إعادة النظر في ذلك السجال ذاته.
وإذا كان الرئيس جورج بوش قد اختار التضحية بجورج تينت, مقابل الظفر برامسفيلد ومن يصف في صفه, ثمة من يسأل مع الجانب الآخر بمن سيضحي بلير, ولمن سيغفر?
قد تكون خيارات بلير أشد ضيقا, وأقل مساحة مماهي لدى بوش, ومع ذلك, لايجد هذا الأخير مايهدأ من اضطرابه بعد استطلاعات الرأي الأخيرة التي أشارت إلى تقدم كيري وادواردز بفارق ست نقاط قد تكون الأكبر في سجل الاستطلاعات.
ويزداد اضطرابه, وهو الذي يخصص فريقا كاملا لمتابعة تطورات تلك الاستطلاعات سلبا أو إيجابا, رغم تظاهره بعدم الاكتراث.
وبالتالي عنصر المفاجأة لم يكن في تحميل وكالة الاستخبارات المركزية المسؤولية, كما أنها لن تكون بالتضحية بسجل طويل من الهيبة اعتادت عليها على مر عقود خلت, بل المفاجأة أن يقف الأمر عند حدود تلمس الأعذار, والاعتقاد أن الاستمرار في التضليل والخداع يكفي للحد من استفحال المأزق.
اعتاد الأميركيون الغفران لرؤسائهم زلاتهم وأحيانا أخطاءهم, ولكن لم يعتادوا بعد على معايشة ذلك الخطأ إلى درجة نسيان عدم صدقهم, واعتاد الأميركيون في أحيان كثيرة تجاوز بعض الهنات لمؤسساتهم, ولكنهم -حتى اللحظة على الأقل- لم يرتضوا التضحية بمصداقية تلك المؤسسات لحماية الأشخاص حتى لوكانوا من مرتبة وزير أو نائب للرئيس.
هكذا قدمت أميركا صورتها في السابق, وهكذا وجدها الكثير من الشعوب, فهل تبدلت تلك الصورة, وهل تغيرت رؤية أميركا لذاتها ونفسها وتقاليدها?
قد تكون هذه الأسئلة في المحصلة عناوين السجال القادم, وإذا كانت الإجابات الموضوعية تحتاج لبعض الوقت, فإن أحدا لايساوره الشك بأن عراقة المؤسسات لابد أن تجد من يدافع عنها, وإذا بدا المشهد مغايرا أو ملتبسا بعض الشيء, هناك من يجزم بأن المدافعين أولئك سيزدادون مع الأيام.
وربما كان السباق الانتخابي الذي تزداد سخونته شاهدا, بل ومجالا خصبا للمقارنة, وإن كانت تلك المقارنة تفتقر حتى الآن ملامحها الواضحة وأبعادها الحقيقة.