كما أن الأمثال الشعبية , تمكنت من الإيحاء بذات المضمون منذ فجر التاريخ ومناسبة الإتيان على مثل هذا الكلام , القصور في ترجمة بعض القوانين والقرارات التي صدرت خلال السنوات الأخيرة تماشياً مع سياسة الإصلاح على غير صعيد .
ولعل من ضمن القوانين التي نقصدها , القانون رقم (1) الذي صدر مطلع العام الماضي , ونص صراحة ودون أي مواربة على ضرورة وقف زحف سرطان مخالفات البناء , التي شكلت مايزيد على (70) بالمئة من إجمالي أعداد الشقق السكنية في غالبية المدن والقرى على مدار العقود الأخيرة , ما أدى ليس فقط الى تهديد سلامة عشرات الآلاف من الناس بسبب غياب الشروط الفنية الصحيحة لإشادة العقارات , وإنما أيضا في تشويه المظهر الحضاري لمدن اشتهرت بفنها المعماري وتاريخها القديم مثل مدينة دمشق .
على الرغم من مضي نحو العامين على صدور هذا القانون الذي كان قد لقي في حينه استحسانا وترحيبا على المستويين الرسمي والشعبي , ليس هناك ما يشير لا من قريب ولا من بعيد الى وقف مخالفات البناء أو حتى , انحسارها , فهي مازالت تشاد سراً وعلانية , بل إن الحالة الثانية تطغى على الأولى, وكأن لسان حال القائمين عليها , يسخر من الذين أنيطت بهم مسؤولية تنفيذ وترجمة هذا القانون أو سواه من تشريعات وأنظمة البناء , ولعل التغيير الوحيد لحضور هذا التحدي من جانب بعض تجار البناء , الذين اشتهروا على مدار عقود في القدرة على تحقيق الثراء السريع ..إنهم مازالوا يتمتعون بقدر كبير من المكانة والحظوة من جانب بعض الجهات المعنية التي يستظلون بظلها ويتحركون بمشىئتها وموافقتها , . بمعنى أو بآخر , لسان حال هؤلاء يشير وبكثير من الوضوح والصراحة , إلى أن بوابة الفساد وشراء الذمم , مازالت مفتوحة على الآخر ,وتستقبل كل من لايتلكأ أو يتردد في تسديد الفواتير حين الطلب , بل ومن أجل مصالحهم , يمكن تعطيل أي قانون أوقرار , دون النظر الى ما تتركه هذه التجاوزات من بصمات تعيق تقدم عربة الإصلاح , سواء لجهة قطاع البناء وتشييد العقارات أم سواه من القطاعات الأخرى .
البعض أو ربما الغالبية من الذين يقودون دفة البلديات والدوائر الفنية في المحافظات , لن يعجبها مثل هذا الكلام , بل هي على استعداد للسخرية منه , وهذه السخرية تتكئ في جوهرها على أسطوانة ( مشروخة) أكل عليها الزمان وشرب , فلسان حال هؤلاء سوف يقول : ومنذ صدور القانون المذكور , هناك عشرات أو مئات الوثائق التي تشير الى تسطير الضبوط ومعالجة مخالفات البناء أصولاً , و لأن هذه المبررات متوقع صدورها سلفاً , ثمة أسئلة مشروعة تتمثل في الآتي : إذا كانت هذه الضبوط حقيقية وليست صورية - مثلما نعتقد - فماذا عن الأسباب التي منعت من إزالة مخالفات البناء التي أعقبت صدور القانون ?! وماذا عن الإجراءات الرادعة التي يتعين الأخذ بها .. هل المطلوب تسطير الضبوط ومعالجتها بطرق ملتوية ?.. أم وقف تجار البناء وتحديهم للقانون ?!
باعتقادنا, إن ثمة حاجة ماسة تستدعي تقويم أداء تنفيذ القانون رقم (1) بعد مضي نحو العامين على صدوره , والوقوف عند الأسباب الفعلية التي أدت الى الاستخفاف به وعدم نفاذ مفعوله , ومثل هذا الاستحقاق ليس مرهوناً في إعادة النظر بالقانون وإحداث تعديلات جديدة , وإنما في محاسبة الذين ضربوا به عرض الحائط من موظفين ومسؤولين , ومن باب التذكير لا أكثر ,لقد نصت بعض مواد القانون وبلغة لاتقبل الجدل أوالتأويل , أنه يجوز توقيف المخالفين وإحالتهم الى القضاء , وكان القصد من تضمين هذه المادة والتي هي جوهر القانون , التضييق على تجار البناء ومحاصرتهم ما أمكن لوقف تجاوزاتهم , غير أن واقع الحال يقول : إن هؤلاء مازالوا طلقاء ويتفاخرون في تحديهم للأنظمة والقوانين .. ولكن الى متى ?!