بعد أكثر من عام ونصف العام على الاحتلال الأميركي للعراق, وعلى جملة المشاهد التي عرضها الأميركيون على خشبة المسرح السياسي العراقي, من الاحتلال الى مجازر النجف وغيرها ومروراً (بأبو غريب) وفضائحه, نتساءل عما إذا كانت الإدارة الأميركية نجحت في بيع ما لديها من مخازين الديمقراطية والحريات على الرصيف العراقي, بعدما روجت لها طويلاً, وسوقتها مبللة بالدم والقمع وموشاة بالمجازر?
نتساءل عما إذا كان ما وعدت به الإدارة الأميركية هو ذاته ما تفعله جيوشها اليوم في العراق, وعما إذا كان ثمن الوعد ما زال في حدود اسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين, أم أنه تجاوز تلك الحدود, وبلغ حد اسقاط العراق بشعبه وسيادة أرضه وثرواته من قوائم الانتماء الى العصر?
ما يحدث في النجف ومحيطها, كبير وخطير ودامٍ, وعلى كل مستويات التحليل والفهم, والدلالة الأبسط على ذلك اندفاع قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الى عرض مساعدته في التوسط بين قوات الاحتلال الأميركي وبين المقاومين عن النجف وقدسية عتباتها, وهو الذي يدرك سلفاً أن عرضه لن يكون مقبولاً لدى إدارة الرئيس بوش ومنظريها من أقطاب اليمين الأميركي المتطرف على المستويين العقائدي والسياسي.
يمكننا أن نلاحظ بوضوح كيف تحول (المشروع) الذي روجت له وسوقته الإدارة الأميركية في العراق وفي المنطقة العربية عامة وتحت عناوين الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من مشروع سياسي تديره الكارتيلات الاقتصادية ورؤوس الأموال النفطية والفولاذية, الى ورقة انتخابية تحت رهانات الربح والخسارة, ويمكننا أن نلاحظ أيضاً كيف تلاشت الوعود أو غابت لتحضر ألاعيب الحشد والتضليل سياسياً وإعلامياً, لا للإيفاء بالمشروع وعناوينه, بل لتوظيفه وقوداً في محرقة التنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين.
وإذا كان الرئيس بوش قد تحدث عن احتلال العراق وضروراته الدموية والقمعية - من أجل أمن أميركا والأميركيين - فقد تحدث منافسه الديمقراطي كيري عن الاحتلال ذاته وكيف كان ينبغي تنفيذه بذكاء أكبر.. أي بنصل حادة وقاطعة أكثر تقرب الموت وتقلل مساحة الألم!!
كلاهما مع الاحتلال, لكنهما يختلفان حول الطريقة فحسب بألم أو دون ألم?!
ويبقى أن الملاحظة الأدق والأصدق, هي تلك التي تكشف عن سقوط السلعة والتاجر معاً, وعلى مقياس لا تتوقف تدرجاته عن الارتفاع, هو مقياس الرفض والمقاومة!!