فقد أعلنت واشنطن أن نيتها هذه تأتي من باب إعادة هيكلة قوتها العسكرية المرابطة في أكثر من مكان لكي يواجه التحديات المزعومة, وكان الرئيس الأميركي جورج بوش أكثر وضوحاً حين أفصح عن هذه الخطة في خطابه أمس الأول أمام المحاربين القدماء, وفي الوقت ذاته قال بالحرف الواحد: (يجب أن نغزو أعداءنا في عقر دارهم ونهزمهم قبل أن يهاجموننا).
القضية إذاً الاستمرار في سيناريوهات الغزو والاحتلال بذريعة مكافحة الإرهاب والدفاع عن حقوق الإنسان ودمقرطة العالم على الطريقة الأميركية, ويخطىء من يعتقد أن إفرازات الحادي عشر من أيلول 2001 وتداعياتها الخطيرة هي التي بلورت هذه السياسة الأميركية تجاه العالم, أو أن هذه المأساة هي التي دفعت بالإدارة الأميركية الى احتلال افغانستان والعراق وتهديد إيران والسودان وممارسة الضغوط على هذا البلد أو ذاك, بل إن هذه الاستراتيجية كانت قد وضعت قبل تلك الأحداث التي شهدتها واشنطن ونيويورك لكن تسارعت خطى تنفيذها بعد حدوثها.
فالسياسة الأميركية تجاه كل قضايا العالم لم تكن قبل الحادي عشر من أيلول بأفضل منها بعد هذا التاريخ بغض النظر عن الأسلوب والكيفية وزمن التنفيذ, ولدينا عشرات الأمثلة التي تؤكد هذه الحقيقة, ألم تشن الولايات المتحدة حرباً جوية عاصفة على العراق عام 1998 بذريعة عدم تعاونه مع المفتشين الدوليين? ألم تقم بالحملة ذاتها ضد يوغسلافيا السابقة وتساهم بتفكيكها تمهيداً لترتيب منطقة شرق أوروبا? أليست مخططاتها -قبل 11 أيلول- لغزو أسواق العالم وفرض أنظمة العولمة على شعوبه رغم كل المظاهرات المناهضة لها, البرهان الأكيد على تلك الاستراتيجية القديمة- الجديدة?!.
لقد تعاملت أميركا مع معاهدة (كيوتو) الخاصة بالبيئة بالمنظار ذاته قبل 11 أيلول وبعده, وتعاملت مع بروتوكول حظر الأسلحة البيولوجية بالمكيال ذاته, وشمرت عن ساعديها لإقامة الدرع الصاروخي وانسحبت من معاهدة (سولت2) الخاصة بالسلاح النووي, ودعمت إسرائيل بكل صنوف الأسلحة قبل ذاك التاريخ وبعده, وتسترت على كل جرائمها العنصرية وتنكيلها بالشعب العربي قبل الهجمات وبعدها.
بلى فعلت واشنطن كل ذلك بغض النظر عن الزمن ولكنها وجدت زمن 11 أيلول كضالة لها لتسريع تنفيذ خططها فابتدعت سيلاً من الأفكار العجيبة كالحرب على الإرهاب ودول محور الشر والضربات الوقائية بهدف السيطرة على العالم, وما خطوتها الأخيرة لإعادة نشر قواتها في الخارج إلا حلقة في سلسلة استراتيجيتها المذكورة.