هذه الأسئلة التي لا تخلو نسبياً من الاستهجان والاستغراب, بل والدهشة أيضاً, نطلقها بعد أن أقرت الحكومة قبل أيام مشروع قانون يسمح بالمنافسة ويكافح الإغراق السلعي, ندرك سلفاً, أن النوايا السليمة والغيرة على الاقتصاد الوطني هي التي أدت إلى إقرار مشروع القانون.
غير أن الأمر الذي جعلنا نشعر بشيء من اللبس والإرباك, هو أن المنافسة وبمعايير المدارس الاقتصادية في الماضي والحاضر لم تكن بحاجة إلى صوغ قوانين وقرارات, كما أن حماية المنتج الوطني من الآثار السلبية الناجمة عن الإغراق وتفوق ميزان الواردات على الصادرات, مرهونة بمرونة التشريعات والقوانين الصناعية والتجارية ومدى مواكبتها للتحولات الاقتصادية الاقليمية والدولية.. أي إذا كانت هناك نوايا جادة لحماية الصناعة الوطنية والتشجيع على دخولها ميدان المنافسة, فإن الأجدر بالحكومة السؤال حول مكامن الضعف في أداء الواقع الصناعي, والتي ينبغي معالجتها ولا تحتمل التأجيل أو المماطلة لجهة التشريعات والقوانين الاقتصادية.
.. وفي حال سلمنا جدلاً بحقيقة مفادها, أن السلعة ذات السعر الأقل والأكثر جودة بمقدورها جذب المستهلكين في السوق الداخلية والخارجية, فهذا يعني بداهة, أن بعض القوانين والتشريعات الصناعية والتجارية المعمول بها في الوقت الحاضر لا تسمح بترجمة المعادلة المذكورة. فعلى سبيل المثال لا الحصر, فإن الرسوم والضرائب المفروضة على المواد الأولية المستوردة ما زالت تزيد عن مثيلاتها في دول عربية مثل مصر وتونس والإمارات العربية المتحدة وبنسبة 50 بالمئة, حتى أن هذه الرسوم تبددت في السنوات الأخيرة لتصل إلى حدود الصفر. وكذلك فإن ضريبة الدخل على الأرباح قد تكون الأعلى على مستوى الوطن العربي.. وما نعنيه في الإتيان على هذين المثالين, أن الضرائب والرسوم تزيد من تكلفة المنتج وتسهم في حرمانه من فرص الدخول إلى ساحة المنافسة الخارجية, ما يؤدي إلى تراجع الأداء التصديري بدلاً من تقدمه.
إنهاض الصناعة الوطنية من كبوتها لا تستلزم المزيد من دعوات الحماية وفقاً للآليات والقواعد السابقة التي أسهمت في تراجعها, وإنما هناك حاجة فعلية لإعادة النظر ببعض التشريعات والقوانين التي تخص الصناعة والتجارة الخارجية, فمفهوم الحماية لن يتحول إلى واقع مشخص إلا في حال محاكاة كل ما يندرج ضمن إطار الضرورة الموضوعية, فإصدار قانون لتحفيز صناعاتنا على المنافسة ومنع الإغراق السلعي سيبقى مجرد حبر على ورق, إن لم تكن الحكومة قد سبقته بإصدار رزمة جديدة من التشريعات التي من شأنها الإسهام في إعادة تأهيل وهيكلة القطاع الصناعي إدارياً وفنياً وتقنياً, ذلك أن التأهيل وإعادة الهيكلة وصوغ تشريعات جديدة, ليست من استحقاقات المنافسة فقط, وإنما هي ضرورة مجردة تستلزمها شراكتنا المرتقبة مع أوروبا وقبول عضوية بلدنا في منظمة التجارة العالمية, إلى جانب تنامي الدعوات للعولمة واقتصاد السوق, وسواها من التحولات التي تدعو صراحة إلى مزيد من الانفتاح وتحطيم جدران الأسواق, والسماح للسلع والمنتجات في عبور حدود الدول والقارات دون الحاجة إلى سمات دخول من هذا البلد أو ذاك.