والاتكاء على ما يجري في المشهد العراقي من ظواهر آنية عابرة, للمحاججة أو لتبرير الاستمرار في تلك الجولة, يزيد من عبثية الرؤية, وسط تطورات عاصفة لاتكتفي بانفتاح المشهد على احتمالاته المختلفة, بل وتؤسس لقراءة جديدة لابد منها.
ولكن المعضلة على ما يبدو تتركز وتتكثف في تلك القراءة بالتحديد, حيث الأسئلة المثارة تكاد أن تضاعف من الجراح, في وقت تفرض فيه الحاجة الماسة تعاضداً من أجل التخفيف من تلك الجراح.
بمعنى أن المقاومة التي تفاقم من مأزق الاحتلال لم تعد موضوع نقاش, بل هي حالة شعبية أكدتها الأحداث الأخيرة سواء بإعلان التضامن مع النجف الذي أطلقته أحزاب وهيئات عراقية ,أم من التمرد والذي ظهر في صفوف الشرطة العراقية التي ترفض الاعتداءات التي تتعرض لها النجف.
والخيار هنا ليس مسألة رهان بقدر ماهو تحديد انتماء, والعراقيون الذين أثبتوا قدرتهم على تحديد ذلك الانتماء, ليسوا بوارد المراهنة, وإنما هم في إطار التأكيد على التمسك بالمقاومة وإنهاء الاحتلال.
والخطوات الكبيرة التي حققتها المقاومة تترك آثارها المدوية , وتعمق من مأزق الاحتلال, وتزيد من أزماته المستفحلة إلى حد أن الفشل لم يعد مقتصرا على خيبة سياسية مريرة, بل هي أيضا عسكرية وإن كان هناك فوارق.
وفيما تسويق المقولات المفخخة تحت يافطة الحرص حينا, والتهدئة حينا آخر, يراد منها التشويش على الصورة القائمة, فإن الإصرار الأميركي على استخدام القوة, وتصعيد الموقف إلى حد استباحة المقدسات, يطرح الكثير من الإشكالات.
وفي المقدمة تبرز مفاهيم الإسقاط السياسي لحالة الاستجداء الأميركي الذي وصلت ذروتها حين يؤكد المسؤولون الأميركيون تمسكهم بالمقولات الخاطئة, وتبرز أيضاً في الاحتجاجات المتتالية من شخصيات عراقية على ما يجري من تصعيد دموي.
وفي الاتجاهين يبدو المشهد على تناقضه في سياق الحديث المنمق الهادف إلى قلب المعايير والإحداثيات, بل وخلق إيحاءات وهمية وكاذبة في ظل اختلال كبير في موازين القوى سياسياً وعسكرياً وإعلامياً.
ألم يطلب من الإعلاميين مغادرة النجف, وبالقوة أحياناً?
ألم يبدُ ذلك في إطار السعي إلى امتلاك المبادرة إعلامياً إلى حدود المطلق?
كل ذلك ألا يستدعي استنفاراً, بل ألا يتطلب إدراكاً بأن المأزق يستفحل,و أن الإدارة الأميركية وفي الصراع الدائر في إطار السباق للانتخابات الرئاسية أخرجت كل ما لديها?
إذا كانت القوة قد فشلت, والسياسة قد أفلست, ألا يحق للعراقيين أن يزدادوا اعتزازاً بما حققته مقاومتهم, وبما فرضته إرادتهم?
الأسئلة هنا ليست للإجابة, بل هي برسم المشهد القائم في كل أنحاء العراق ,وليس وقفاً على النجف رغم دلالته هناك, لكن الأفق ومعطيات الأحداث تتجه نحو تأكيد القدرة على خلق المعادلات الصحيحة, وإلغاء تلك الخاطئة ولو بعد حين..!