فهذه القوات وعلى مدى الأشهر السابقة خرقت وانتهكت كل الهدنات التي تم توقيعها مع الصدر وغيره في الفلوجة, وحرصت على أن يكون الموقف الميداني والسياسي في العراق تحت سيطرة قبضتها خلافاً لما وعدت به المجتمع الدولي قبل وبعد تسليم السلطة لحكومة عراقية مؤقتة.
وأمام هذه الوقائع الثابتة لا تشكل تصريحات مستشارة الأمن القومي الأميركي كوندا ليزا رايس حول عدم ثقتها بالصدر وإبدائها الاهتمام بأن تدير الحكومة العراقية المؤقتة شؤون العراق أي جديد في ضوء استمرار القوات الأميركية بفرض سيطرتها العسكرية والأمنية على المفاصل الحيوية في العراق وهيمنتها على قراره السياسي وتعمدها منع الحكومة العراقية المؤقتة والقوى السياسية الأخرى من إيجاد الحلول السلمية للمشاكل التي نتجت عن احتلال العراق وتفكيك بناه الإدارية والأساسية.
فإيحاء رايس بعدم ثقتها بالصدر يعني رفضها للمبادرة التي بلورها المؤتمر الوطني العراقي بخصوص الوضع في النجف وسرعان ما اتضح ذلك باستمرار القوات الأميركية ومصادر في وزارة الدفاع العراقية على تهديد الصدر واتباعه وتشديد لهجتهما تجاههم وهو ما يفتح المجال أمام تصعيد خطير للوضع في النجف يفاقم من المأساة التي تعانيها المدينة منذ حوالي شهر.
الإدارة الأميركية غير صادقة أو جادة في ادعائها إفساح المجال أمام الحكومة العراقية لإدارة شؤون شعبها كما أوحت رايس في تصريحاتها, ولو أنها كذلك لما تدخلت في موضوع مبادرة المؤتمر الوطني العراقي لحل أزمة النجف والتي صيغت بالاتفاق والتشاور مع هذه الحكومة, وهو ما يؤكد عدم تخلي الولايات المتحدة كسلطة احتلال عن هيمنتها على القرار السياسي العراقي عندما يتعلق الأمر بموضوع سلطتها وخططها المستقبلية للوضع العراقي.
فإيجاد حل سلمي للنجف يشكل نجاحاً للحكومة العراقية والقوات الأميركية لا تريد لهذه الحكومة أن تحقق أي نجاح على أي صعيد وأيضاً لا تريد للمؤتمر الوطني العراقي الذي افتعلت أزمة النجف لإفشاله أن يسهم في ذلك ومن هذا المنطلق جاء تشكيك رايس بموقف الصدر وتالياً التهديد باقتحام النجف والصحن الحيدري في أقرب وقت.
وانطلاقاً من هذا الموقف الأميركي تجاه رغبة الحكومة العراقية بإيجاد حل سلمي للوضع بالنجف وموافقة الصدر على مبادرة تصب في هذا الاتجاه يتوجب على الأطراف العراقية المؤثرة في هذه القضية وخاصة الحكومة العراقية أن تأخذ بعين الاعتبار دوافع الرفض الأميركي للحل السلمي في النجف وتتريث وتدرس بعناية فائقة أي قرار قد تتخذه لا يصب في هذا الاتجاه لاسيما في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في معظم المدن العراقية والمحاولات الأميركية لاقتحام النجف بوزنها الديني والحضاري وجعلها عبرة لباقي المدن العراقية التي تفكر في الاستمرار بمقاومة الاحتلال.