وفيما تعتبر العملية برمتها استكمالا لاستراتيجية جديدة تبنتها إدارة الرئيس بوش وأملتها معطيات جديدة فرضت نفسها في المشهد الدولي, فإن الاستخدام المزدوج لها يطرح أكثر من إشارة استفهام.
أولى هذه الإشارات كانت مسارعة المرشح الديمقراطي لالتقاطها, وكأنها الهدية التي قدمها الرئيس بوش له, ليؤكد من خلالها الاختلاف وحتى التناقض, بعد أن بدت مجمل الطروحات الأخرى متقاربة إلى حد التشابه, وتحولت إلى أكثر المآخذ التي يواجهها كيري.
فيما كانت الإشارة الثانية تتعلق بمدى جدية الطرح الذي يقدمه كيري حول نيته إعادة بناء التحالفات التي قوضها الرئيس بوش من خلال حربه على العراق وابتعاد أقرب الحلفاء التقليديين في أوروبا عن السياسة الأميركية, بل وزرع شرخ في العلاقات الأميركية الأوروبية.
وفي الحالين جاء انتقاد كيري ليوحي بأن الاستراتيجية الأميركية في حال فوزه ستكون مغايرة في خطوطها العامة, وإن التقت في بعض التفاصيل, وذهب إلى أبعد من ذلك حين أكد مجددا على النموذج التقليدي المعتاد ولعلاقات أميركا بحلفائها.
ولكن ذلك لم يمنع سيلا من التساؤلات الملحة التي برزت كشكل من أشكال التأكيد بوجود معضلة فعلية في النموذج الذي تريد أميركا تعميمه على العالم, وكأن الاعتراف بخطأ الاستراتيجية لايقتضي بالضرورة الإقرار بالحاجة إلى بروز معادلات مغايرة لتجاوز حالة الخطأ.
وفي كل الأحوال ثمة من يشير وبوضوح إلى أن المعركة الانتخابية ستكون مليئة بهذه المتناقضات, حيث السباق المحموم يدخل مرحلة حرجة مع غياب عوامل الجذب الفعلية لدى كلا المرشحين, وبالتالي, فإن افتعال الخلاف, واللعب على الأوجه المتباينة للقضايا المطروحة هي السمة الوحيدة التي تلقى إجماعا لدى المراقبين.
والأكثر من ذلك أن الفوارق التي كان يعول عليها الديمقراطيون في حملتهم, تستهلك بالتدريج الكثير من الأوراق, وهذا يرتب عليهم أولا وقبل أي شيء آخر, إعادة الترتيب, وأن يكون توظيف الأوراق ذات الاستخدام المزدوج منسجما مع رؤية استراتيجية تستبعد من أجندتها الظواهر الآنية رغم الحاجة إليها.
ولقد برزت حتى الآن الكثير من النقاط التي ولدت شعورا مخيبا لدى الأميركيين, والوقت الباقي بالكاد يسمح ببعض التعديلات, حيث واقع الحال يشير بكثير من الوضوح إلى أن سياسة الإدارة الحالية توفر فرصا سانحة للديمقراطيين لابد من اقتناصها لتوسيع الفارق قبل حلول موعد الانتخابات.
وهنا يكمن العامل الأهم في قراءة المعطيات الحالية, حيث السباق الذي يملي قدرا كبيرا من الدقة والتأني, يستدعي في الوقت ذاته الإسراع في توظيف ماهو متاح, ولعل جون كيري حين أشعل المواضيع الخلافية, كان يدرك ذلك, ولكن النتيجة تبقى مرهونة بما يستجد من تطورات.