وضمّنت رايس اعترافها القول: (إن إدارتها تريد تشجيع أصوات الاعتدال والتسامح والتعددية في العالم الاسلامي وأن تبدد صورة تظهر الولايات المتحدة على أنها تتعامل بفظاظة مع الآخرين.. وأن في وسعنا وعلينا أن نفعل المزيد..).
ترى في أي خانة يمكن إدراج هذه الاعترافات? أفي خانة التلميح إلى ضرورة تغيير السياسة الامريكية تجاه الإسلام والمسلمين وقضايا الشرق الأوسط (العراق و الصراع العربي الصهيوني) أم في خانة السباق الانتخابي إلى البيت الأبيض وقد بلغ أشده في حملات النقد الموجه الى السياسة الخارجية, مايجعل أقوال رايس محاولة لقطع الطريق على الديمقراطيين في تصيد تقصير الجمهوريين في هذا الجانب المهم من سياستهم الخارجية مع العالم الإسلامي, أم في خانة النقد الموضوعي المجرد عن حسابات الانتخابات, والمؤسس على المصالح الحقيقية للشعب الأمريكي, بعد سلسلة الأخطاء الكبيرة للسياسة الأمريكية في تعاملها مع العالم الإسلامي وأشد قضاياه حساسية في العراق وفلسطين..?
أياً كان الدافع لاعترافات رايس, فالمهم فيها أنها اعترافات صحيحة من حيث تقويمها للسياسة الأمريكية حيال الإسلام والمسلمين وحيال قضايا العراق والصراع العربي الإسرائيلي, وكذلك حيال النتائج الخطيرة لهذه السياسة والتي دفعت بغالبية المسلمين إلى كراهية أميركا ودفعت بغالبية الأمريكيين إلى طرح السؤال الصعب (لماذا يكرهوننا..?) من دون أن يتجرأ مسؤول أمريكي رفيع على إعطاء إجابة موضوعية, إلى أن باحت رايس بالحقيقة المعتّم عليها وهي : عدم كفاية التواصل مع أكثر من مليار مسلم, وقناعة غالبية هؤلاء بأن أمريكا تنحاز إلى إسرائيل وارتكبت خطأ فادحاً في الحرب على العراق وتعاملت بفظاظة مع الآخرين,... أي مع المسلمين أنفسهم عندما عمل رموز التيار المتصهين في الإدارة الأميركية على إلصاق تهمة الإرهاب زوراً وبهتاناً بالإسلام والمسلمين,وروجوا لأكذوبة أن الإسلام عدو أميركا والغرب, وأن الصراع معه صراع حضارات وأن الكراهية المنصبَّة على أمريكا تعود إلى الغيرة من تقدمها الحضاري.
لم يسأل أحد نفسه في الإدارة الأميركية عن أن الأسباب الحقيقية للقطيعة القائمة بين العالم الإسلامي وأميركا, إنما تكمن فقط في السياسة الخاطئة التي مارستها إدارة بوش وإدارات سابقة لها مع العالم الإسلامي واكتفت رايس بتوصيفها في عبارة دبلوماسية صرفة هي (عدم كفاية التواصل مع العالم الإسلامي) وذلك في اعتراف ضمني منها بوجود أزمة غير عادية تواجه الولايات المتحدة على مستوى علاقاتها مع أكثر من مليار مسلم يشكلون سدس العالم.
أما أين توضعت هذه السياسة الخاطئة واتجاهاتها?فهذا ما نجده في انحيازها الأعمى لإسرائيل وفي حربها الظالمة على العراق وماجرته من ويلات ومآس وزعزعة لاستقرار العالم,وفي تجاهلها لحقائق الصراع العربي الإسرائيلي وخلطها المتعمد لأوراقه ونعت المقاومة بالإرهاب, والإرهاب بالدفاع عن النفس, ووصف مجرم حرب كشارون برجل سلام وتشويه الإسلام وجوهره خلافا لحقيقته كدين محبة وتسامح وتعايش وسلام, إضافة إلى سن القوانين الجائرة بمعاقبة دول العالم الإسلامي لمجرد أنها تختلف مع هذه السياسة الخاطئة كماقانون محاسبة سورية الذي اتخذ بتحريض من إسرائيل والموالين لها في إدارة بوش والكونغرس الأميركي.
وإذا كانت تلك هي أسباب تراجع علاقات أميركا مع العالم الإسلامي, فإن تصحيح هذا التراجع يستوجب أول ما يستوجب إسقاط أسبابه, وهذا ممكن فقط عندما تمتلك الإدارة الأميركية الجرأة على الإعتراف بأخطائها على نحو مافعلت رايس, والشجاعة الكافية لتغيير طبيعة سياستها الراهنة فتتخلى عن كل مايستفز مشاعر المسلمين من انحياز سافر لإسرائيل واحتلال غير مبرر للعراق وتعامل باستعلاء وفظاظة مع الآخرين, واحترام الإسلام دينا لأكثر من مليار إنسان, ولعل هذا مايفهم من قول رايس أن بوسع أميركا وعليها أن تفعل المزيد من أجل تغيير صورتها الراهنة.