وليس غريباً أن يتمترس بعض المتدربين ومدعي الغيرة على الإعلام على صفحات بعض الصحف العربية, لأنها توفر لهم المساحات التي يريدون لسببين.. رغبة هذه الصحف قذف الإعلام السوري بحجارة أهله للإيحاء بالحيادية والموضوعية, وكذلك الإيحاء بأن حرية النشر في الصحافة السورية مقيّدة.
هذا جانب فيه شيء من الصوابية, ليس لأن مساحة النقد غير واسعة في الإعلام السوري, مع أنه الإعلام الأكثر نقداً لنفسه ولسلبيات الأداء في مختلف المجالات, ولكن لأن الإعلام السوري لم يمتهن سياسة التجريح لسياسات الأشقاء, ولا للإعلام عندهم ولم يسبق لوسيلة إعلامية سورية أن تناولت إعلام دولة شقيقة بمسمياته وتسمياته القطرية , كما لم يسبق لصحفي عربي مثلا ً أن أعطي المساحات المعطاة لصحفي سوري كي يتهكم على بلده أو إعلامها, وما أسهل التهكم.
وبودي معرفة مصير مقال ينصف الإعلام السوري, ويتحدث عن دوره ومفرداته ومصطلحاته ومعاركه ومواقفه الوطنية ونقاوة خطابه وروحه وموضوعيته وتاريخه ومنابره المعروفة ودفاعه عن قضايا الأمة, لو كتبه أحدنا - نحن المتهمين بالإنشاء والشعارات والنمطية السياسية كما يقال- وأرسله إلى صحيفة عربية من الصحف التي تهوى نشر العكس.. فهل تدفع به للنشر?..
لا أريد جواباً, فثمة محاولات عديدة باءت بالفشل, وبلا عتب, فيما تجد المقالات -السفسطائية- العمومية في النقد طريقها إلى النشر في الصحافة الشقيقة.
وتعبير الإنشائية والشعاراتية واللغة الخشبية التي درج المنتقدون على استخدامها يهدف فيما يهدف إلى إحراج الإعلام السوري ودفعه إلى تبديل مواقفه ومنهجياته ومصطلحاته والتخلي عن ثوابته الوطنية... لأنه لو قيل إن الإعلام السوري يخوض معركة العرب منفرداً وبالنيابة عن الإعلام والإعلاميين العرب,وهو يتصدى للحملة الصهيونية - الأميركية الشرسة التي تستهدف أمتنا العربية حاضراً ومستقبلاً ومثالها فلسطين والعراق.. وغير ذلك من الحقائق المنكرة عند البعض, فسينبري واحد من هؤلاء يدبج مقالاً صميدعياً في جريدة ما, مستغلاً المساحة الممنوحة له كي يضفي على ما يتجنى مصداقية الصحيفة نفسها, مع أن أغلب من تناول الإعلام السوري في الصحف العربية هم من الصحفيين الذين لا باع لهم في الموقف القومي ولا مكان لهم في الإعلام الوطني مع أن المساحة واسعة, ليس لأن القائمين على الإعلام يحتكرون المواقع فقد تبدل ونحّي وانتقل الكثير, ولكن لأنهم لا يعرفون من الإعلام ومذاهبه وأدواره إلا جلد النفس والنقد العشوائي,إما بحثاً عن الانتشار أو الشهرة, أو لغاية في نفس يعقوب!
فالمساحة التي يشغلها الإعلام السوري على مساحة الإعلام العربي مثلاً مساحة واسعة, ومن غير الإنصاف اتهام الإعلام السوري بأنه لايقترب من الأحداث الساخنة, فهو الأقرب إليها, وهو المعني بها, وهو الأكثر التصاقاً بتداعياتها,فهل من إعلام آخر أقرب للقضية الفلسطينية والوضع في العراق , وهل تعاطى الإعلام السوري مع هذين الحدثين ملامسة..? ويوم سميت الفضائية السورية بفضائية الانتفاضة في ذروة أدائها, هل جاءت تسميتها من فراغ? وعندما ترصد إسرائيل وقادتها والإدارة الأميركية معها كل كلمة تنطق بها صحيفة سورية تعقيباً أو تعليقاً .. أمن فراغ ايضاً?
أما تطويع الأحداث وعلاقتها بالموقف السوري وصوابيته فهذا لا يجتهد فيه صحفي, وإنما هذه حقيقة ملك للشارع العربي ولا أقول السوري, فالموقف السوري هو دليل الناس وموضع احترامهم وتقديرهم, وهو بوصلة الاتجاه الصحيح الذي يهتدي به وإليه العرب في الوطن والمغتربات, وإذا استثنيت فأستثني هؤلاء الذين يبحثون عن أنفسهم في كومة قش فلم يجدوها ولم يخرجوا من كومة القش إياها.
وقبل أن نستطرد في التفصيلات وسرد المواقف والتذكير بالأحداث وبالكيفية التي تعامل بها الإعلام السوري مع كل ما شهدته منطقتنا العربية منذ عدة عقود حتى اليوم نقول بأن من السهل بمكان تدبيج مقالات التجريح والتشهير والنيل فهي الأسهل والأبسط والأسرع في فنون الإعلام والتي يفسح لها في المجال واسعاً على كل منبر يريد النيل من سورية مباشرة أو مداورة, ويبدو أن استسهال الكتابة والاستبساط بالنشر دفع بتلك الأقلام إلى هذا المقام..
وما نريد قوله إن الإعلام السوري يشهد تطوراً ذاتي الدفع وفق منظومة أخلاقية وطنية وقومية ملتزمة, وقد شرع أبوابه وصفحات صحفه وشاشاته لأصحاب الرأي والاجتهادات والمواقف حتى المتباينة منها, وهو يرحب بالأقلام المسؤولة, وقد أفرد مساحات واسعة لمن يريد الإسهام في بناء الوطن, وكلانا وأعني الإعلام السوري ومن يريد الاختبار على المحك شريطة أن يكون الهدف هو البناء.. لأنه طموحنا,وليس التشهير, لأننا لا نعرف مسالكه ولا نفهم لغته.