كما لم يكن بوسع هذه الدبلوماسية التي تعمدت التحدث في العموميات والمسائل الهامشية, على حساب المركزي تهرباً وإسقاطاً للحق العربي الثابت, وتجييره لمصلحة الاحتلال الصهيوني وتكريس وجوده في هذه المنطقة جزءاً من نسيجها وكينونتها, وقوة لا ينازعها أحد, أن تخفي حقيقة المطامع الأميركية على المدى القريب والبعيد, ونهمها للسيطرة على أكبر احتياطي نفطي واستخدامه أداة ضغط وابتزاز وإخضاع للعالم.
والزعم بأن القوة العظمى والوحيدة في العالم ليست لها مطامع إقليمية في المنطقة وبالتالي فعلى دولها الاستجابة للأهداف الأميركية, هو كلام في غير محله ويفتقر إلى المصداقية بدليل التعاطي الأميركي الظالم والمتحامل والصهيوني التوجه مع العرب وقضاياهم, والذي لم يحمل غير المعاناة والآلام والنكبات والمآسي, وإلهاب المنطقة وإغراقها في دوامة العنف والتوتر والحروب, وتأمين التغطية والحماية لإسرائيل ولنهجها الإرهابي وتطاولها على القانون الدولي, وبما أبقاها استثناء خارج دائرة المساءلة والعقاب, وحرضها على المزيد من الارتكابات والحماقات العدوانية والرفض للسلام, والمضي في الإبادة العرقية والذبح الجماعي للشعب الفلسطيني على النحو الوحشي والدموي الحاصل.
لقد جرى التأكيد على أهمية وضرورة أن يكون الحوار متكافئاً وليس من جانب واحد, وأن تكون هناك سياسة متعقلة ومتوازنة حيال المنطقة, تعتمد مبادئ الحق والعدل والاحتكام للشرعية الدولية والانتصار لمواثيقها وقراراتها, وهو ما افتقده للأسف الشديد الأداء الأميركي حتى اللحظة, رغم إقرار الإدارات المتعاقبة بالأهمية الحيوية والاستراتيجية لهذه المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة, وذلك لاعتبارات غير مفهومة ولا منطقية لا يمكن القول عن أصحابها سوى أنهم قصيرو النظر وموضوعون في خانة الولاء للصهيونية وكيانها الغاصب إسرائيل, أكثر مما هم ينتمون لأميركا نفسها, وكل ما قدموه حتى اليوم مجرد أدبيات ومشاريع وصفقات, تعكس تراجعاً حاداً وخطيراً وتحللاً من مسؤوليات والتزامات وضمانات الدولة الراعية للعملية السياسية, وإسهاماً إلى جانب الشريك الإسرائيلي في اغتيال ونسف عملية السلام.
وإن كان المجال لا يتسع هنا لنبش وإيراد الكم الكبير مما أتحفت به السياسات الأميركية المنطقة على مدى عقود الصراع, فإنه ومن باب التذكير والرد على أولئك الذين يصرون على التعمية والاستغفال والاستغباء والإلغاء للآخر, وتسويق بضاعة الاستسلام والقراءة بالعين الإسرائيلية, نقول: بأن من شرع الاغتصاب والاستيطان والتهويد لفلسطين والأراضي العربية المحتلة, وأسقط حق العودة للاجئين الفلسطينيين وأشهر /الفيتو/ وإن لم يصوت به بعد, في وجه تطبيق القرارات الدولية والانسحاب الصهيوني إلى ما وراء خطوط الرابع من حزيران, وعطل مسيرة السلام وأباح القتل الأعمى للعرب وانتهاك المقدسات, ووصف المقاومة وأطفال الحجارة ب¯/الإرهاب/ واستباح بالقوة الغاشمة كما حليفه الإسرائيلي أراضي وكرامات وحريات الناس في العراق وأفغانستان وأماكن أخرى من العالم, من ارتكب ويرتكب كل هذه المحرمات, لا يحق له أن ينظر ويملي النصائح والدروس على الآخرين, وأن يطالبهم قسراً بمحبة أميركا كما ليس بمقدور سياسة الترهيب والترغيب التي ينتهجها أن تحجب الحق عن أصحابه, أو تحمل أحداً على التنازل والتفريط بذرة واحدة منه ومن التراب, والقبول بشريعة الغاب والسلام على الطريقة الإسرائيلية.