ينطبق أكثر ما ينطبق على اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية الذي جرى التوقيع عليه بالأحرف الأولى في بروكسل مؤخراً بعد جهود مضنية استغرقت فترات زمنية طويلة تخللتها نقاشات وحوارات مستفيضة حول مختلف القضايا ذات الصلة بطبيعة التعاون المطلوب من هذه الشراكة و تحديد آفاقه والمصالح المشتركة لطرفيه فيه.
والاتفاق كذلك, لأنه يشكل المدخل الأساسي لأشكال التعاون المفترض قيامه بين سورية والاتحاد الأوروبي بما ينعكس خيراً عميماً على شعوب الاتفاق ودوله في حال تم تجسيدها بصيغ عملية تعكس الرغبة الأكيدة في استفادة كلا الطرفين مما يوفره الاتفاق من تعاون يشمل مجالات الحياة المختلفة وخصوصاً منها المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية.
وإذا تجاوزنا مسألة المنفعة الاقتصادية للاتفاق - وهي متشعبة وتتسع في مداها وأفقها وطيفها باتساع المجال الجغرافي والبشري لأوروبا وسورية -وتوقفنا عند البعد السياسي للشراكة الجديدة, لوجدنا أن الاتفاق رغم ما يمثله من خطوة أولى على طريق لا حدود لها من التعاون المثمر والتلاقح الحضاري والثقافي ,فإنه يعطي أنموذجاً رائداً في طبيعة العلاقات الدولية المفترض قيامها في عالم بات من الصعب العثور فيه على علاقات موضوعية, بالنظر إلى افتقاده لعوامل التوازن أمام هيمنة القطب الأوحد وطغيان سطوة القوة ومنطقها ونظام العولمة الجائرة على قيم التعاون القائم على مبادئ الاحترام المتبادل وديمقراطية العلاقات الدولية.
نقطة أخرى في البعد السياسي للاتفاق هي تلك التي تعكس تعاوناً بناء من أجل استقرار الشرق الأوسط وأوروبا لا خيار غيره, أمام طرفيه بحكم كونه يتحقق بين دولة تبقى بوابة العرب والمنطقة أمام أوروبا هي سورية ذات الموقع الجيواستراتيجي المهم وذات الإمكانات الاقتصادية والصناعية والتجارية الواعدة في ظل مسيرة التطوير والتحديث التي يقودها السيد الرئيس بشار الأسد على أسس راسخة ورؤية مستقبلية واثقة, وبين أوروبا المتحدة التي تشكل أيضاً بوابة المنطقة للغرب وتتمتع بوزن اقتصادي وسياسي كبير دولياً يؤهلها لدور فاعل في المنطقة من شأنه في ضوء ممارسته على أرضية الشرعية الدولية والضغط باتجاه تنفيذ قراراتها ذات الصلة بقضية الصراع العربي - الإسرائيلي أن يسهم في تعزيز السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة, بقدر ما يسهم في تعزيز الأمن الأوروبي,وعلى النحو الذي أوضحه السيد فاروق الشرع وزير الخارجية في تقييمه للاتفاق عندما أكد على ترابط الأمن في المنطقة والقارة الأوروبية, وعندما قال (إن سورية عملت باستمرار من أجل رؤية دور أوروبي فعال في منطقتنا يساهم في إيجاد حلول عادلة للمشكلات التي تواجهنا وفي مقدمتها احتلال إسرائيل ووقف عدوانها الوحشي).
إن الاتفاق خطوة البداية التي لابد منها لقطع مسافة الألف ميل على طريق علاقة بناءة ومتوازنة, وقد تحققت هذه الخطوة لتشيع الأمل بتعاون واعد, لكن الأهم من هذا كله هو ما ينتظر تحقيقه من خطوات لاحقة تعمق السير نحو تعاون خلاق ينعكس منفعة متبادلة بين سورية ودول أوروبا قاطبة, وأنموذجاً يحتذى في العلاقات الدولية.