وهذه الإجابات لا تقتصر على الأسئلة التي يثيرها ذلك الإلحاح, بل تشمل أيضاً أسئلة صعبة كان التفكير بها أو محاولة إيجادها عبثية لا طائل منها, وقد تكون غير مبررة أيضاً.
والمسألة ليست من باب المقارنة, ولا هي في إطار التشبيه, إنما تداعيات لممارسة تبدو مثيرة بحكم المفارقة, حين يتم تغييب مجلس الأمن عن قضايا أكثر أهمية وإلحاحاً, وعندما يعطل ويصادر قراره ودوره في أكثر القضايا ضرورة..!
لكن المشهد الدولي بتجاذباته والمناقشات التي أفرزت ذلك التسابق الأميركي الفرنسي في التشدد, يعيد إنتاج المفارقة من باب التساؤل عن الدوافع الحقيقية لذلك التسابق, بعد أن ظلت لأكثر من عقد ونصف العقد تقر علانية بالصيغة التي تحكم الوجود السوري في لبنان.
والبيان الرئاسي لمجلس الأمن بكل ما فيه, وبكل ما ينطوي عليه يعكس تداعيات يصعب تجاهلها, وإن كانت في أغلبها نتاج الاختلال القائم في النظام العالمي, لأن الرغبة في الهيمنة, حين تتلاقى مع ايقاظ فج لنوازع قديمة تحاول استعادة الماضي بشكل مبتور, لا تترك فواصل كثيرة, ولا مساحات كبيرة للتفريق.
بل هناك من يقرن ذلك بما هو أسوأ, حين تمتزج تلك النوازع بمحاولات لترميم التصدع القائم في العلاقات الدولية, أو عندما تكون الغاية إبداء حسن نية لا طائل منها, وإنما توظف في أغلب الأحيان لإنتاج عوامل اختلال إضافية في المشهد الدولي.
وحين يصبح الأمر بهذه المساومة الرخيصة, وحتى المبتذلة يحق للكثيرين الغيورين أن تعلو أصواتهم محذرة ومنبهة, في وقت لا يخفى فيه على أحد أن مثل تلك الأصوات ليس بالضرورة أن هناك من يسمعها, أو يصغي إليها.
ولكن المحاولة مشروعة, بل ومطلوبة في سياق القراءة المتأنية للنتائج التي يمكن أن تؤول إليها الأوضاع, وللانعكاسات التي قد تستدرج إليها بعض الأطراف, ولا يغيب عن ذهنها ولا ناظريها مخاطر ذلك الاستدراج الذي تنتفي فيه إلى حد بعيد المصالح الاستراتيجية والإرث الذي تراكم على مدى العقود الماضية.
ربما الوقت لم يفت بعد, وربما كان هناك متسع للاستدراك, ولكنه بالتأكيد ليس وقتاً مفتوحاً, أو بدون حدود, ولاسيما في ظل تسارع الأحداث والتطورات والتراكم الكمي والنوعي للتداعيات والتجاذبات, وحتى للحسابات التي تأخذ بالاعتبار الحصيلة المتبدلة لتلك التداعيات بشقيها الآني والمستقبلي.
من هنا ربما حان الوقت للتقييم, وحتى للمراجعة على أسس واضحة, خصوصاً بعد أن ينجلي غبار الضجيج المتعالي من المتسرعين والمهرولين, والغالبية العظمى من المغرر بهم, على قاعدة أن الاستدراك, ولو تأخر بعض الشيء يظل أفضل من عدمه.
قد تكون المسألة وفق هذا المعيار لا تحتاج للكثير من العناء لإثباتها أو لتوضيحها ولا تستدعي أحكاماً مسبقة ساهمت في خلق اختلالات يبدو المشهد الدولي في غنى عنها, ولاسيما في هذا الظرف الذي يشهد غلياناً في الانتظار, وحمى تراشق في حلبة السباق التي يقر الكثيرون أنها ستطبع بنتائجها سمات وتوجهات العلاقات الدولية في المرحلة المقبلة.