تم في العاصمة البلجيكية التوقيع وبالأحرف الأولى على اتفاق الشراكة السورية - الأوروبية, وحين نقول: إن المفاوضات كانت شاقة, بل ومتعثرة في بعض الأحيان, فليس ذلك, إلا لأن المفاوضين السوريين, كانوا على درجة عالية من الحرص واليقظة, للخروج بمضامين من شأنها الوصول الى معادلة قريبة من التوازن وليس التكافؤ في تنظيم علاقات اقتصادية ستقوم مع (25) دولة أوروبية,.. ولعل وصول عدد صفحات الاتفاق الى نحو (1450) صفحة, فيه مايشير وبلا مواربة إلى أن الجانب السوري لم يكن متسرعا, وتوقف مطولا في بحث ودراسة كل صغيرة وكبيرة تحسبا من الوقوع في أخطاء غير محسوبة, خاصة وأنه في أعقاب سريان مفعول الاتفاق , لاعودة الى الوراء تسمح في إعادة النظر أو التراجع عن بعض الفقرات والبنود.
ولعل الإقلاع من محطة الأحرف الأولى , يسهم في طي مرحلة طويلة من الجدل حول أسئلة كانت تؤرق الاقتصاديين والمهتمين على مدار أكثر من (21) جولة رسمية, ففي الوقت الحاضر, لم يعد هناك ما يسوغ العودة للسؤال فيما اذا كانت الشراكة في مصلحة الاقتصاد السوري او في غير مصلحته, كما ويتعين عدم العودة الى نقطة الصفر للمقارنة بين الإمكانات الأوروبية والسورية, .. فالذين تأخذهم الغيرة ويتطلعون الى شراكة تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني يتعين عليهم الحديث وبصوت عال حول ما تستدعيه الشراكة من استحقاقات لجهة الإصلاح الاقتصادي الفعلي وليس اللفظي او النظري, فبقدر ما تكون وتائر الإصلاح جدية وفعلية وتلامس جوهر أمراض الاقتصاد الوطني, بقدر ما تتوافر الشروط الصحيحة للاستفادة من شريك يمثل القوة الاقتصادية الثانية على ساحة العالم.
البعض من الذين أطلقوا أفكارا واجتهادات أثارت جدلا ساخنا على مدار السنوات الأخيرة حاول عن قصد أو غير قصد الإشارة الى أن الشراكة تعني في تشريعاتها ومضامينها الانحناء للعولمة ولاقتصاد السوق وإغراق أسواقنا بالسلع والمنتجات الأوروبية, الى جانب إمكان إغلاق مئات المنشآت الصناعية العامة والخاصة, وكل ذلك بالاتكاء على غياب عنصر التكافؤ لجهة المنافسة من حيث جودة المنتج والسعر .., ومثل هذه الرؤية وإن كانت قد لامست ضفاف الحقيقة او بعض جوانبها, غير أن الاستمرار في ترديدها يعني المراوحة في المكان واستبعاد أي نيّات تنشد ردم الهوة الصناعية القائمة مع الاوروبيين أو غيرهم.., وكذلك لا بد من التذكير أن بلداناً عربية أبرمت اتفاقات شراكة مع بلدان القارة العجوز, وتمكنت من كسب نتائج إيجابية و مرضية على الرغم من عدم امتلاكها الحد الأدنى من الثروات والكفاءات والقدرات القائمة في بلدنا, حتى إن بلدا عربيا مثل تونس تمكن وفي ظل الشراكة من تصدير ما يوازي قيمة الصادرات المصرية كاملة.
لا بد من الاخذ بمفهوم وعي الضرورة, ومواكبة الاخرين امر ممكن في حال التخلص من مفهوم (الانغلاق) ولكن ضمن رؤى وخطوات محسوبة على المسطرة ومحكومة بمفهوم توازن المصالح وليس بالانحناء للإملاءات.