ولم يملك الرئيس الأميركي جورج بوش نفسه تجاه هذا التصريح, إذ سارع للرد عليه بالقول(إن المنظمة الدولية صوتت على تدخل عسكري في هذا البلد) لتلحق به حكومات الدول المتحالفة مع إدارته بالحرب على العراق وتقول كلاماً مشابهاً يستهدف إضفاء طابع الشرعية على الحرب بدعوى أن ماحصل جاء متوافقاً مع قرارات المنظمة الدولية وضرورياً لفرض احترام هذه القرارات.
لماذا اتخذ رد حلفاء الحرب (أميركا وبريطانيا واستراليا وبولندا واليابان وبلغاريا) هذا الطابع القاسي إلى حد تخطيء أنان واتهام الأمم المتحدة بازدواجية الموقف بين ماتقول وما هي مقتنعة به على حد قول بوش ( إن على المنظمات عندما تقول شيئاً أن تكون مقتنعة به)..? هل لأن أنان تجاهل حقيقة الحرب وأضفى عليها غير صفتها الحقيقية, أم لأنه قال الحقيقة الكاملة عنها بوصفها عملاً يفتقر إلى الشرعية..?
ما أغاظ حلفاء الحرب من أنان هو امتلاكه الجرأة والشجاعة على وصف الحرب بعدم المشروعية بعد أن طفح كيل الكذب السياسي حول الحرب وشرعيتها بدءاً من أكذوبة (أسلحة الدمار الشامل) التي كشف آخر تقرير لمفتشي الأسلحة الأميركيين صدر مؤخراً عن عدم العثور على أي دليل يشير إلى نية العراق تنفيذ برنامج تسلح ضخم قبل الغزو الأميركي, وانتهاء بأكذوبة ( اتهام العراق بعلاقة مع تنظيم القاعدة) التي اضطر المسؤولون الأميركيون إلى نفيها مرات عدة بعد ثبوت عدم وجودها.
غير أن تعرية أنان للحرب على العراق, لم تستندفقط الى طيف الأكاذيب الملفقة التي سيقت لتبدو مقنعة للعالم,بل تتعداها الى تفسير قانوني لايحتمل التأويل والتشكيك لقرار مجلس الأمن الذي أجاز التدخل في العراق, فهذا القرار لم يسم أميركا بالاسم ولم يطلب من أي من حلفائها الذين تورطوا معها بالحرب التدخل,وكان يخص فقط الأمم المتحدة بوصفها الجهة المخولة على وجه قانوني بموجب أحكام ومبادىء القانون الدولي والاتفاقات الناظمة له بتشكيل قوة دولية وتحت لوائهاوإدارتها فقط في مثل هذه الحالة, وهذا ما أوضحه أنان بقوله( أنا واحد من الذين يعتقدون أنه كان من الضروري صدور قرار ثان عن مجلس الأمن للموافقة على الاجتياح الأميركي).
ويفهم من هذا أن أميركا بدأت الحرب على العراق دون تفويض دولي بقرار صريح من مجلس الأمن يجيز لها ولحلفائها بالاسم حق التدخل وإعلان الحرب,مايجعل هذه الحرب غير مشروعة ويتفق تماماً مع ماذهب إليه أنان من أن الاجتياح الأميركي للعراق كان غير شرعي.
وردُّ الرئيس بوش على أنان ( بأن المنظمة الدولية صوتت على تدخل عسكري في العراق) لايغيّر في هذه الحقيقة من شيء,لأن التدخل المقصود هنا هو تدخل دولي تنظمه الأمم المتحدة,وليس تدخل مجموعة دول تأخذ دور المنظمة الدولية بتفسير خاطىء لقراراتها من خارج المنظمة الدولية, لأن تدخلاً من هذا القبيل يشكل مخالفة صريحة للميثاق الدولي الذي يحصر حق التدخل العسكري وتطبيق بنود الفصل السابع بيد المنظمة الدولية وفي نطاق صلاحيتها وإرادتها وبقوة تشكلها هي وليس دولاً تعمل خارج إرادتها, كما لايجيز للدول حق أخذ دورها وتفسير قراراتها على نحو يخدم أهدافها ومصالحها كما حصل تماما في حرب العراق.
نقطة أخرى يفترض توضيحها في الجدل الذي أعاده أنان إلى واجهة الأحداث بخصوص الحرب على العراق,هي أن تأكيد عدم شرعية الحرب من قبل الأمم المتحدة ممثلة بأمينها العام يرتب على الدول التي انساقت إليها مسؤولية مركبة, شق منها يتعلق بانتهاك القانون الدولي وإساءة تفسير قرارات مجلس الأمن, والشق الآخر يتعلق بنتائجها المأساوية الناجمة عن جرائم الاحتلال بحق الشعب العراقي بدءاً من تدمير بنى دولته وانتهاء بأعمال القتل التي حصدت الآلاف منه, وأعمال التعذيب في سجن أبو غريب وسواه وشملت الآلاف أيضا, وهو مايبيح لهذا الشعب أن يطرح قضيته على الأمم المتحدة ويطالب بمحاكمة دولية عادلة للمسؤولين عن حرب أعلنت عليه دونما وجه شرعي.
ترى ألا يفسر هذا كله أسباب استنفار حلفاء الغزو للرد على أنان بالشكل الذي حاولوا فيه اضفاء طابع الشرعية على حربهم كذباً وبهتاناً, ويؤكد في نفس الوقت صوابية الدول التي رفضت الحرب وعارضتها وشكلت أغلبية العالم..?!