هذا القرار الأميركي جاء بعد أقل من شهر على خطة الإدارة الأميركية إعادة نشر قواتها المنتشرة في العالم لمواجهة ما أسمته الإرهاب العالمي, ومع أن هذه الخطة تقضي بسحب أكثر من سبعين ألفاً من القوات الأميركية وعائلات الجنود من الخارج وإعادتها إلى الولايات المتحدة فإن تصريحات الرئيس بوش تؤكد أن العكس هو الصحيح فقد قال: (إن السنوات العشر القادمة ستشهد نشر قوات أكثر حيوية لمواجهة التهديدات الإرهابية).
ولعل السؤال الجوهري هو: لماذا تريد أميركا بناء مثل هذه القواعد في العراق وأفغانستان وآسيا الوسطى, وتطوير برنامجها الصاروخي هناك, وإعادة نشر قواتها ونقلها من أوروبا إلى قلب القارة الآسيوية?!.
لا نضيف جديداً إذا قلنا بأن الهدف الاستراتيجي من وراء كل ذلك, هو متابعة تنفيذ خطط السيطرة على العالم التي وضعها أقطاب اليمين المتطرف في الإدارة الأميركية, ودعمها اللوبي اليهودي هناك, وشد من أزرها أصحاب الشركات العملاقة الذين وضعوا عيونهم على أهم المناطق الآسيوية التي تملك مصادر الطاقة, وكل هذا يأتي تحت ذريعة مكافحة الإرهاب المزعوم والاستمرار في خوض الحروب (الاستباقية) أو (الاجهاضية والوقائية) ولذلك تركزت الخطط الجديدة على تبديل مواقع تلك القوات من أوروبا إلى آسيا لترتيب هذه المنطقة وإعادة رسم خرائطها بما ينسجم مع معزوفة تتويج الكيان الإسرائيلي كقوة إقليمية وحيدة في المنطقة الافرو- آسيوية بكاملها.
هذه الأسباب مجتمعة هي التي تجعل الإدارة الأميركية تصر على الاستمرار في احتلال العراق وعدم الإفصاح عن خططها المستقبلية تجاهه تحت مسميات كاذبة مثل الحرص على تطبيق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ونقل السيادة إلى الشعب العراقي وغيرها من البدع التي لم ير العراق إلا نقيضها, كما أن هذه الأسباب هي التي تجعل الولايات المتحدة تفتعل الأزمة تلو الأخرى سواء في ايران أم في السودان وكوريا ولبنان مستندة إلى حجج لا يقبلها عقل ولا يتقاطع معها منطق.
هذه الاستراتيجية الأميركية حيال العالم والتي انتقلت من مبدأ (الاحتواء) إلى (الهجوم) سوف تقود العالم برمته إلى مصير كارثي ومجهول وستؤدي إلى آثار مدمرة تصيب الشعوب بأسرها ما لم تغير أميركا من سياساتها وتتشكل رؤية عالمية جديدة لمواجهتها.