فيكفي أن تطرح الولايات لمتحدة, أو أي جهة خارجية أو معادية للعرب مشروعاً معيناً, لتجد هذه الحكومات منقسمة فيما بينها بين مؤيد أو معارض له, ليس من منطلق إدراك دوافع ما يهدف إليه على المديين القريب والبعيد, وإنما من باب التعاطي معه بردود أفعال غير متناسقة بقصد إثبات الوجود وتحقيق المكاسب الآنية والقطرية الضيقة, والتهرب بنفس الوقت من مواجهة الواقع العربي الذي يتدهور يوما بعد آخر.
قبل الغزو الأنكلو- أميركي للعراق طرحت الولايات المتحدة مشروعها في هذا الشأن, وتشتت المواقف العربية بين معارض له وبشكل علني ومؤيد وداعم بصمت, وبقي الأمر كذلك إلى أضحى العراق تحت الاحتلال وتحول إلى ساحة قتل يومية مجانية ليختلط بذلك الدم الفلسطيني مع العراقي, وينتقل العرب من خلاف حول مشروع الغزو إلى انقسام حول كيفية التعاطي مع الاحتلال, ومن يتعامل معه, وما تفرع عنه من خلافات أخرى حول مسألة تحقيق الأمن والاستقرار بوجود الاحتلال أو بعد رحيله.
الحكومات العربية كثيراً ما تتحدث عن الثوابت وتتخوف وتحذر من التغيير والتحول السريع, لكنها عملياً, وفي تعاطيها مع ما يطرح ويفرض عليها من الخارج سرعان ما تتخلى عن ثوابتها لتقر مرغمة أو غير ذلك بإمكانية تحقيق الاستقرار وإجراء الانتخابات بوجود الاحتلال في العراق.
في فلسطين, حيث يمارس الاحتلال أبشع الجرائم بحق الفلسطينيين, طرحت حكومة الإرهابي والمجرم شارون مشروعها التضليلي للانسحاب من غزة, وكذلك انقسم العرب بين مرحب بهذه الخطوة ومشكك رغم إدراك الحكومات العربية بدوافع وخلفيات طرح هذا المشروع من جانب إسرائيل والمقتصرة على القضاء المبرم على عملية السلام بأسسها وثوابتها المعروفة, وإحداث تغييرات جذرية على أرض الواقع تحول في المستقبل القريب دون قيام دولة فلسطينية مستكملة لمقومات الدولة وفق تصنيف الأمم المتحدة, وها هو شارون يرتكب المجزرة تلو الأخرى في قطاع غزة, وبعض الحكومات العربية تنتظر بفارغ الصبر حدوث الانسحاب من غزة مهما كانت نوعيته وشكله, فالموضوع طال انتظاره وهي بحاجة إلى مشروع جديد ولا استراحة بينهما.
من حق المواطن العربي أن يسأل حكوماته كيف تستقيم مواقفها المتعاطية مع طروحات ومشاريع الاحتلال من الناحيتين الإنسانية والقانونية, ألا تنص قوانين ومبادىء الأمم المتحدة على عدم شرعية أي انتخابات مع وجود الاحتلال.. كذلك يحرم القانون الدولي التعاطي مع إجراءات الاحتلال كوقائع تفرض نفسها... والأهم من ذلك بكثير أليست هذه ثوابت, ومن المفترض بالحكومات والجهات الرسمية العربية التمسك بها حتى العظم قبل غيرهم.
للأسف من منطلق التعامل مع الأمر الواقع تبرر بعض الحكومات العربية تعاطيها مع الاحتلال الإسرائيلي والأميركي لفلسطين والعراق, وهذا يبقى مقبولاً إذا استطاعت إخضاع الاحتلال للقانون الدولي وبما يسهم في دحره وإنهائه..
في فلسطين كان الإخفاق وما ترتب عليه من تنازلات كبيرة نتيجة التعاطي العربي الرسمي مع الاحتلال ومشاريعه, وما نرجوه أن لا يلازم التعامل العربي الرسمي مع الاحتلال الأنكلو- أميركي للعراق الإخفاق ذاته.