ورغم تلك التحديات والإخفاقات الكثيرة التي تعرضت لها المنظمة الدولية خلال مسيرتها الطويلة, إلا أن تجاوزها لا يزال مطلبا ملحا لكل شعوب المعمورة, لتظل المنظمة المعبرة عن إرادتها في إقامة نظام دولي يستند على قواعد إنسانية تؤسس لحوار مثمر يحقق الأمن والتنمية بعيدا عن لغة الحروب ومآسيها, وسياسات العدوان وآثارها الكارثية.
ويشكل الاحتفال بمرور ذكرى التأسيس هذا الأسبوع فرصة ثمينة لتضافر الجهود الدولية لتطوير أجهزة المنظمة ومؤسساتها المختلفة, لتكون أكثر قدرة على القيام بدورها في مجابهة التحديات الخطيرة التي يواجهها العالم.
فالأمم المتحدة لن تقوم بدورها في حفظ الأمن والسلم الدوليين ما لم تكن مستقلة بقرارها ومتحررة من سيطرة القوى العظمى على مشيئتها,فهذه السيطرة أفقدتها مصداقيتها بسبب ابتعاد قراراتها-وخصوصا تلك الصادرة عن مجلس الأمن-عن مبادىء ميثاقها,وتحول المجلس إلى أداة لفرض العقوبات على الضعفاء وتبني سياسات الأقوياء وتمرير مشاريعهم.
ولعل أخطر ما يهدد المنظمة هو محاولة الأعضاء الدائمين في المجلس,والذين يملكون حق النقض(الفيتو),القفز فوق مبادىء القانون الدولي والميل إلى استخدام القوة في حل النزاعات,وشن الحروب الاستباقية,والتدخل في شؤون الآخرين الداخلية,والانتقائية في متابعة وتنفيذ القرارات,لأن مثل هذه السياسات أدخلت العالم في نفق مظلم.
وما الحرب الاستباقية التي شنتها الولايات المتحدة ضد العراق وما خلفته من نتائج كارثية على مستقبل الشعب العراقي, إلا البرهان الأكيد على خطورة هذا النهج الذي يقفز فوق مبادىء المنظمة الدولية.
وفي تفاصيل هذه الحالة كانت المنظمة ضحية التسلط الأميركي على قرارها, ولا سيما ما يتعلق بالصراع العربي-الإسرائيلي,حيث استغلت الولايات المتحدة ثقلها داخل أجهزة المنظمة لإبطال مفعول القرارات التي تدعو إسرائىل إلى احترام الشرعية الدولية,وإزالة احتلالها للأراضي العربية,وإعادة الحقوق للشعب العربي الفلسطيني, ما أدى إلى تقزيم الأمم المتحدة في تعاملها مع الكيان الإسرائىلي,وفي قدرتها على تطبيق قراراتها.
وقد ولّد ذلك لدى شعوب المنطقة شعورا بالإحباط لعدم إنصاف المنظمة في حسم الصراع وفقا لمبادىء الشرعية الدولية,وخصوصا مع تراكم أكثر من ستمئة قرار لا تزال حبيسة أدراج المنظمة الدولية وتنتظر من يخرجها إلى النور ويجبر إسرائىل على تنفيذها.
أخيرا قد تكون جهود الأمم المتحدة لتحقيق الأمن والتنمية للشعوب قد اصطدمت بالحروب الضروس وبمطرقة الهيمنة الأميركية, لكن يظل الأمل قائما بتجاوز ذلك كله لما فيه خير البشرية.