وإذا كانت الغاية الفعلية هي توظيف النتائج لصالح ميزان التنافس الانتخابي, فإن ما تقوم به الإدارة الأميركية يصل حد التورم, ويتضخم إلى حد الانفلات, وبين هذه وتلك يتحرك الواقع العراقي بين الموت قصفاً, والضياع في متاهة البحث عن الأمن المفقود.
ولعل المشاهد المتتالية التي أضحت وجبة يومية على شاشة الفضائيات تعكس ذلك السباق برؤية مغايرة, وربما مناقضة لمعطيات الدعاية الانتخابية ذاتها, وإن كان هناك من يقر علانية بأن مفهوم (المؤامرة) لا يستبعد من نطاق الفكر لدى الإدارة الجمهورية.
فإذا حققت حالة التصعيد مبتغاها في العراق, وأبقت جورج بوش رئيساً لأربع سنوات أخرى, فإن سخونة المشهد تتوافق مع الرغبة الآنية القائمة, وإذا فشلت, فإن المأزق الذي تخلقه أمام الإدارة الديمقراطية سيغرقها في مستنقع لن تكون السنوات الأربع القادمة كافية للخروج منه ولتجاوزه.
بل هناك من يراهن أن الجراح المفتوحة التي تساهم في تعميقها عمليات القتل ومشاهد الموت ستترك الديمقراطيين أمام خيارات صعبة بل ومريرة, وكلها لن تقود إلا الى تحولات جديدة لدى الأميركيين يمكن قطف ثمارها بعد أربع سنوات في السباق القادم.
ودليلهم الى هذا الاستنتاج الإقرار المتزايد من قبل رموز الحرب بأن الوضع يزداد تعقيداً, وأن الحلول المقدمة لم تضع خيارات صحيحة, وبالتالي ليس أمام الأميركيين سوى تقديم المزيد من الاعترافات الجديدة.
وبنفس أسلوب المؤامرة, ذاته يقر العديد من أركان إدارة الرئيس بوش أن عمليات الجيش الأميركي لم تجد نفعاً, فيما الخسائر البشرية في صفوفه تفاقم من الوضع لدرجة أن بعض القادة, لم يرض عن مستوى المشاركة البريطانية, وإن العدد لا يكفي لسد ثغرة واضحة في البنية العسكرية القائمة.
وهذا ما يفسر انجراف الجيش الأميركي نحو ممارسات لم يقدم عليها من قبل, خصوصاً عندما يبالغ تحت وطأة حمى السباق في القتل وارتكاب العديد من المجازر تحت حجج يدحضها عدد القتلى العراقيين من نساء وأطفال وشيوخ, وعدد البيوت المدمرة فوق رؤوس ساكنيها.
العاصفة التي تهب في البيت الأبيض تمطر أعاصير قتل ودمار في الفلوجة والمدن العراقية الأخرى, وحمى السباق والتراشق في الاتهامات تنتقل عدواها وبالتوازي في شوارع بغداد وأزقة الفلوجة, والأيام المتبقية تنذر بالكثير من هذا وذاك.
ورغم الإدراك المسبق بأن السباق الرئاسي هو الأعقد والأعنف في التاريخ الأميركي, فإن أحداً لا يساوره الشك بجدلية العلاقة التي تضع الحرب الأميركية على العراق في إطار الخطأ الأعقد, والخطيئة الأعنف التي لم تتوقف تداعياتها في ذلك السياق المحموم, بل ستشمل تجاذبات الواقع الأميركي ومفاهيم الهيمنة ومصطلحات الاستلاب التي تغزو الشارع الأميركي.
وحتى لا نكون الأكثر تشاؤماً فإنه من المفيد التذكير بهواجس أميركية أخذت بالتصاعد, ومفادها أن البحث عن الأمن تحت ذريعة الاستباق لم تجد نفعاً.
والمواجهة التي أرادت الولايات المتحدة تصديرها إلى الخارج, وتصيد بعض المتعلقين بحبالها نجدها اليوم تصطاد أولاً وقبل أي شيء أخر صياديها, قد يكون الرئيس بوش ذاته, وإن كان ذلك يشكل استعجالاً في استخلاص بعض المعطيات, ولكنه في الواقع العملي يفضي إلى الإدراك بأنه لا بد من كبش فداء, حتى لو بقي الرئيس بوش في البيت الأبيض مرة أخرى.