الانتقال إلى مرحلة جديدة من التضليل والمماطلة, والظهور داخل حزبه وبين المسؤولين الإسرائيليين بمظهر المعتدل, وذلك خلافاً لطبيعته المنغمسة بالإجرام والإرهاب, وارتكاب المجازر الجماعية بحق الشعب الفلسطيني.
فالتصويت على خطة الفصل في الكنيست لا يعني على الإطلاق تطبيقها في القريب العاجل, ولاسيما مع تزايد احتمالات تفكك الحكومة الإسرائيلية, وإجراء انتخابات مبكرة, وإمكانية عرض الخطة للاستفتاء, وما يحمل ذلك من توقعات بنسفها كلياً, وإذا ما تم تجاوز كل هذه العراقيل التي ساهم شارون بإنتاجها, فإن بنية الخطة وخطوات تنفيذها التي اعتمدتها حكومته والمؤلفة من أربع مراحل كفيلة بإحباطها, لأن تطبيق أي مرحلة يحتاج إلى مصادقة جديدة من الحكومة المعرضة للانهيار نتيجة الصراعات الحزبية والسياسية بين أعضائها والأحزاب الداعمة لها.
فشارون الذي وافق على إدخال المزيد من التعقيدات والأفخاخ لوضع الخطة موضع التنفيذ بحجة الحفاظ على بقاء الائتلاف الحكومي شأنه مثل غيره من المعارضين للخطة, لجهة السعي إلى تحقيق مكاسب سياسية, ومن المستبعد جداً تبرئته من تهمة المماطلة والتضليل, ومحاولة كسب المزيد من الوقت, لإظهار إسرائيل بأنها مستعدة لتقديم ما سماه تنازلات مؤلمة, بغية تحقيق السلام, ليبدو الأمر وكأن إسرائيل تتخلى عن شيء تملكه للفلسطينيين.
فمصداقية شارون حيال الانسحاب من قطاع غزة موضع شك كبير, وإذا ما تم تجاوز الشكل العام للطرح, وعدم تمييزه بين الانسحاب من القطاع وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي له, فإن ما تتضمنه الخطة من تعابير وصيغ توحي بأنها شكل من أشكال إعادة ترسيخ الاحتلال, وفق ما يخدم الاستراتيجية الإسرائيلية على الأرض والمستوى الدولي.
لا شك أن أي خطوة تقدم عليها إسرائيل تخفف من معاناة الفلسطينيين لم تكن بدافع إسرائيلي ذاتي, وإنما هي نتيجة للمقاومة الأسطورية للشعب الفلسطيني ضد الممارسات الإسرائيلية الوحشية, والتصريحات التي يصدرها شارون بين الفينة والأخرى, هي جزء من سياسة التضليل التي تتبعها إسرائيل للتخفيف من حدة الانتقادات والمواقف المنتقدة للسياسة الإسرائيلية من جانب المجتمع الدولي, وتهدف إلى الالتفاف على المطالب الواسعة للرأي العام العالمي بضرورة وضع إسرائيل تحت القانون الدولي, وعدم استثنائها من عقوباته على الجرائم اليومية التي ترتكبها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن وصف المفكر الفلسطيني عزمي بشارة لخطة الفصل والسيناريو الذي تجتازه بالعدوان الجديد على الشعب الفلسطيني, هو التعبير الأدق للوضع, فالانسحاب من قطاع غزة وفق الخطة لا ينهي الاحتلال بل على العكس من ذلك, يحول القطاع إلى سجن كبير وساحة تدريب للقوات الإسرائيلية, ولكن ذلك لن يحول دون إيجاد المقاومة الفلسطينية الوسائل والخيارات والبدائل الكفيلة بطرد هذا الاحتلال مهما كانت الظروف التي تحيط به.