والأكثر صوابية لجهة الاعتراف بالتدخل في شؤون الدول تحت زيف شعارات الديمقراطية والحرية التي غزت الولايات المتحدة بها العالم عبر حملاتها الإعلامية المضللة ومحاولاتها السياسية لقلب المفاهيم وتشويه الوقائع والحقائق.
وزير الخارجية الأميركي كولن باول وبعد محاولاته المتكررة تجميل تصريحاته المتعلقة بمشروع الشرق الأوسط الكبير ودعاوى الإصلاحات الديمقراطية, يعلن على الملأ أن قدر بلاده أن تتحدى العالم, وأن تكون الدولة التي تنتظر منها الشعوب حلولاً لمشكلاتها!
ففي الشطر الأول من التصريح إقرار واضح بأن الولايات المتحدة تقف منفردة على الجانب الآخر في مواجهة العالم بأسره, متحدية إياه وكل القوانين والمبادئ والأعراف التي توافق عليها وأقرها قبل نحو ستين عاماً بهدف تحقيق الأمن والسلام العالميين وترسيخ أسس وقواعد قانونية وأخلاقية في السياسة والعلاقات الدولية.
وإن ما شهده العالم - فعلاً وواقعاً - من رفض قاطع للعديد من المفاهيم الأميركية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرهما, ولاسيما مفهوم الحروب الاستباقية والضربات الوقائية, يؤكد خروج الولايات المتحدة عن الإجماع الدولي وسعيها لتحدي الأسرة الدولية, كما يجسد ذهابها إلى الحرب العدوانية ضد العراق الواقعة الأكثر دلالة على تحدي الأمم المتحدة ومجلس الأمن وممثلي دول العالم فيه والتي رفضت إجازة الحرب أو تشريعها.
وبالتالي, الأمر الذي يؤكد انتهاك واشنطن المبادئ والقوانين الدولية وتهديدها وحدة الأمم المتحدة وتهميش أو إلغاء دورها, ومحاولة فرض منطق القوة ولغة الهيمنة والامبراطورية على العالم لإخضاعه لإرادتها ورؤاها الخاطئة! وإلا فما معنى أن: قدر أميركا أن تتحدى العالم, حسب قول باول?!
وفي الشطر الثاني من التصريح - المقولة - يسمح باول لنفسه ولبلاده بأن تتدخل في شؤون الدول الداخلية وتقرر لها مستقبلها وديمقراطيتها وشكل نظامها السياسي, وربما تشرع في وقت لاحق بتدخلات في طرائق معيشة الناس وتفاصيل حياتهم الخاصة بعد أن سمحت لنفسها بالتدخل في مناهج التدريس والمس بالمعتقدات والعادات والثقافة والتاريخ والحضور الحضاري للشعوب في المنطقة, كما في أوروبا التي صنفها الوزير دونالد رامسفيلد إلى قديمة هرمة وأخرى جديدة شابة!!
فإن يقول باول: قدرنا أن نكون الدولة التي تنتظر منها الشعوب حلولاً لمشكلاتها فله أن يتوهم ما شاء, أما أن تحاول أميركا فرض حلولها على الشعوب بذريعة مساعدتها على حل مشكلات غير موجودة أصلاً, أو لا تشكل معاناة لها في الحدود الدنيا فهو التدخل المرفوض بعينه على جميع المستويات القانونية والأخلاقية.
وليلاحظ السيد باول أي مساعدة وأي حلول قدمت بلاده للشعب العراقي الذي لم يطلب مساعدتها, وأي مساعدة تبيت لتقديمها إلى الشعوب في كوبا والسودان وإيران وكوريا و... و... دون أن تكون هذه الشعوب قد طلبت المعونة, ولينظر جنرال الديمقراطية إلى حجم الكراهية المتنامي ضد بلاده في أوساط شعوب العالم قاطبة بسبب ما يسميه حلولاً لم تكن هذه الشعوب تنتظرها من أميركا.. حتى وإن احتاجتها فقد تطلبها من أي أحد إلا من أميركا!!