ورافق ذلك تشكيل لجان للأحياء وهي المرحلة الثالثة والأخيرة في سياق تجربة الإدارة المحلية وكان الأمل وقتها أن تكون العاصمة هي الرائدة في هذا المجال لتستفيد منها باقي المحافظات.. فهل وصلت هذه التجربة إلى شاطىء الأمان?
كالعادة الحماسة في البداية لم تنقطع عبر تصريحات المحافظ وأعضاء المكتب التنفيذي لوسائل الإعلام لدرجة شعر السكان بأن جميع أحيائهم ستحل همومها وسيصل صوتهم مباشرة إلى أصحاب القرار وسينفذ ضمن برناج زمني.
ولكن هيهات.. سرعان(ما ذاب الثلج وظهر المرج) واتضح أن هذه الإجراءات شكلية لأنها لم ترتق مع مرور الوقت إلى الأهداف المرجوة وهي الابتعاد عن المركزية وتطبيق الديمقراطية الحقة في إدارة أصغر تجمع سكاني للنهوض به اجتماعيا وعمرانيا وصحيا وثقافيا.
وهل هناك أرقى من أن يناقش كل مواطن واقع الحي الذي يعيش فيه ويساهم في تحسين خدماته عبر المشروعات الطوعية واقتراح البرنامج التنفيذي السنوي ومراقبة تنفيذ الخدمات بما يعود بالنفع والخير على الحي كله وبذلك تتكرس حقوق المواطنة وواجباتها من خلال اجتماعات عمل دورية لأبناء الحي وانتخاب لجان تمثلهم لمتابعة كل ذلك..
كان الأمل-إذن-أن تتحقق الأهداف من خلال صيغة حضارية متمثلة بهيئتين هما لجنة الحي المنتخبة من جهة ودائرة خدمات الحي التي تلبي طلباته المباشرة من جهة ثانية كنظافة وجمال الحي وتزفيت وتعبيد طرقاته ومعالجة حالات الطوارىء كانقطاع التيار وكفاية المياه وغير ذلك.
غير أن ذلك لم يحصل لأن أغلب المؤسسات والمرافق ظلت مركزية وظلت معها لجان الأحياء ذاتية وطوعية دون حوافز مادية ومعنوية,ولم يبق عمليا سوى دوائر الخدمات التي تمتلك مقرات ومهندسين وموظفين وبعض الآليات الخفيفة.
وهنا بدأت المشكلة إذ لم تتحول هذه الدوائر إلى بلديات مستقلة لتكون مسؤولة فعليا عن كل هموم وشجون الحي وتقنع سكانه أنها من أجل إسعادهم وتحولت ضمن ظروفها الصعبة إلى أداة تنفيذية بسيطة تتبع للمحافظة ولا سيما في مسألة ضبط المخالفات السكنية,والأنكى أنها صارت في فترات كثيرة تلعب لعبة القط والفأر ونتج عن ذلك إفساد بعض الموظفين فيها ممن وجدوا فرصتهم في التغاضي عن مخالفات البناء مقابل المعلوم وإلا فالمطرقة وورشة الهدم بالمرصاد للبناء المخالف.. لتصبح في نهاية الأمر دائرة الخدمات في نظر الناس ليست سوى دائرة هدم وهدم ماذا..??
وأما بعد.. ألم يحن الوقت ليصبح في كل حي بلدية تتابع شؤون المواطن في كل صغيرة وكبيرة بدءا من السجل المدني ومعاملات الزواج والطلاق وانتهاء بالترخيص للأبنيةوالإشراف على تنفيذ الخدمات والمشروعات وعندها لا يحتاج أحد لمراجعة أي جهة أخرى سوى بلديته التي يتبع إليها منذ ولادته وحتى استلام راتبه التقاعدي منها..