لا يجد المرء هنا في هذه المنطقة الملتهبة والغارقة في الدم الممتد من فلسطين حتى العراق, غير التشاؤم سمة عامة يطبع بها هذه الانتخابات, ولاسيما أن المتنافسين قد استنفدا وضخا ما في جعبتهما من رؤى ومخططات وبرامج تجاه المنطقة, تنذر بتداعيات وحرائق أوسع وأكبر, وتتعاطى مع الصهيونية وكيانها الغاصب كجزء من الاستراتيجية, تتقدم في الأهمية وفي إيلاء الدعم حتى على الشأن الداخلي الأميركي.
فقيادة حملة بوش كما كيري التي بالغت في تقديم وإعطاء صورة نمطية سلبية عن العرب, تضج بالكراهية والعداء مقابل الولاء كل الولاء لإسرائيل وتكريس تفوقها, والالتزام بما يسمى /أمنها/ والأخذ بيدها ومباركة سياسة البطش والإرهاب والتنكيل الدموي, والحروب المفتوحة التي تواصل شنها وتذبح في سياقها وتبيد شعباً أعزل بالكامل, وتغتال على أرضيتها وتدمر كل فرص السلام وشروطه, تلك المحددة بمرجعية مدريد وقرارات مجلس الأمن, لم تكتف بكل ذلك وإنما ذهبت إلى ما هو أبعد في تبنيها للخطاب الإسرائيلي وتسويقه والاشتراك العملي والمباشر في خوض معاركه على كل الجبهات.
وفي مراجعة سريعة لولاية جورج دبليو بوش, يمكن /إنصاف/ الرجل وإدارته المكونة من الأصوليين والمحافظين الجدد, والقول عنها دون تجني إنها الأكثر تطرفاً والتصاقاً بإسرائيل ومشروعها التوراتي, والأشد سخاء من كل ما سبقها من إدارات في تقديم الهبات والمكاسب المجانية, وتحويل الكونغرس بمجلسيه الشيوخ والنواب إلى /كنيست/ آخر للتشريع لها ولعدوانيتها واحتلالها, وتهديدها المستمر للسلام, ومنحها تفويضاً وصلاحيات استثنائية غير مسبوقة تضعها وحكامها فوق سلطة القانون الدولي ومساءلة وانتقاد البشر?!
لقد مثل القانون الجديد الذي وقعه الرئيس بوش قبل أيام فقط من المعمعة الانتخابية, والملزم لوزارة الخارجية بإحصاء ما سمي الأعمال /المعادية للسامية/ حول العالم, وتقويم مواقف الدول من هذه المسألة ووضع لائحة بعمليات الرد الواجبة على هذه الأعمال, وبما أعطاه من معاملة تفضيلية لليهود على المجموعات الدينية والأثنية الأخرى, إضافة للاستخدامات المتكررة للفيتو في مجلس الأمن, وإسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطينيين والعمل لتوطينهم في الدول المجاورة, والغرق في المستنقع العراقي بدفع وتحريض من إسرائيل ذروة السقوط المريع للسياسة الأميركية في المنطقة والابتزاز والرضوخ السياسي والعسكري والأخلاقي اللاهث وراء بضع أصوات لليهود, في مقايضة قذرة يعرف الجميع كلفتها وفداحة أثمانها.
صحيح أن الخيارات ضيقة وفي حدودها الدنيا أمام الناخب الأميركي, وأننا كعرب لا نعلق عليها أي آمال بل ما اعتدنا أن نقطف من ورائها غير المزيد من المصائب والخيبات, لكن ذلك لا يمنع من الإقرار والمجاهرة أن سجل واشنطن حيال المنطقة وحتى العالم ليس بالمشرف, والتشديد على أن الشعب الأميركي معني بمساءلة من أعطاهم الثقة ومن هم في مواقع السلطة والقرار, وتصحيح وتصويب سياساتهم الخاطئة والمدمرة التي لم تجلب لأميركا باعتراف الجميع, وشهادة وزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة مادلين أولبرايت مؤخراً وعلى سبيل المثال لا الحصر, غير العار والمزيد من الكراهية والعداء ونقمة وغضب شعوب العالم.