وسيواصل المهتمون بهذا الشأن- وهم الشريحة الأكبر- البحث في ما تفتحه الإتفاقية من أبواب وما تغلقه منها, خاصة أن الأمر لا يقتصر على قطاع معين أو شريحة محددة أو أداء بعينه, بل يمتد ليشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية مباشرة أو بالتداعي.
ومن غير المنطقي أو المجدي أن يتواصل النقاش حول الشراكة مع أوروبا داخل دائرة التساؤل عن الربح والخسارة, وفي سرداب التمترس خلف الواقع الراهن لاقتصادنا وآليات عملنا والنظر من هناك إلى ما ستأتي به الشراكة وتذهب, فالشراكة ليست بين ندين كفوءين متنافسين, وبالتالي, فإن التعويل على ميزان الربح والخسارة فيها, ليس تعويلاً منطقياً أو واقعياً, ولاسيما أن بعضاً من مواد الاتفاقية وفقراتها تنص على وجوب أن تساهم أوروبا بتحديث الاقتصاد السوري وتطوير آليات عمله.
ولأن الشراكة بيننا وبين أوروبا على هذا النحو من الاتساع والشمولية ولأنها تعنى بمختلف وجوه حياتنا الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية, فإن ضحالة المرحلة الأولى منها وقصرها على بعض التبادلات الزراعية, هو المدخل إلى فضائها الواسع والقادم وهو في ذات الوقت, شرط العبور وبوابته, والسلعة السورية هي التي سيجري تفصيلها على مقاس الذوق الأوروبي وأسواقه وليس العكس!!
وإذا كان هذا هيناً بالنسبة إلى السلعة الأوروبية القادمة إلى سورية فإنه صعب ومكلف ومجهد بالنسبة إلى السلعة السورية الذاهبة إلى أوروبا بحكم الفارق التقني بين السلعتين. الأمر الذي يعني أن ثمة استحقاقات حاضرة وأخرى مؤجلة ينبغي لنا أن نؤديها لنكون شركاء حقيقيين لعملاق اقتصادي بحجم أوروبا.
ولعل تحديد نقطة الانطلاق في عملية التطوير بالمكان الذي انتهى إليه الآخرون كما ورد على لسان السيد الرئيس بشار الأسد, يشكل طموحاً كبيراً لأدائنا الاقتصادي, وبما يجعل من الضروري حرق جملة من المراحل الفاصلة وصولاً إلى نقطة الانطلاق تلك.
لم يعد ثمة وقت لمواصلة الخوض في تفاصيل الاحتمالات والنتائج التي رتبها ويرتبها توقيع الشراكة, بشأن أسعار السلع وأنواعها, وبشأن من سيربح ومن سيخسر. بل إن الوقت الآن هو لإنجاز عبور المراحل الفاصلة ودون تناسي أو تجاهل الوجوه الاجتماعية والثقافية المرافقة, وكذلك استحقاقاتها التي لابد أن تتزامن معها, وفي مقدمتها مفهوم العمل وأخلاقياته ومواصفات أدائه بالشكل المعاصر.