حسب إحصائية نشرتها مؤخراً مجلة( ذي لانست) الطبية لخبراء أميركيين في الصحة العامة حرصوا على التأكيد بأن تقدير أعداد الضحايا العراقيين بنتيجة هذه الحرب قد يفوق الرقم المعطى, مشيرين إلى أن ( معظم الأفراد الذين تردد أنهم قتلوا على يد قوات التحالف كانوا من النساء والأطفال).
حدث هذا كله تحت يافطة الحرب على الإرهاب, ومن أجل عالم أكثر أمنا على حد ما اعتاد رموز الحرب قوله . من يصدق هذه الدعاوى..? أكثر من مائة ألف يقتلون بذريعة مكافحة الإرهاب..! نساء وأطفال وشيوخ يقتلون في إطار هذه الذريعة التي لم يتم العثور على أي دليل لها, سواء بخصوص أسلحة الدمار التي قيل إنها ستكون جاهزة للاستخدام خلال خمس وأربعين دقيقة, أم بخصوص علاقة العراق بتنظيم القاعدة.
حتى لو تم التسليم جدلاً بأن الحرب تندرج في نطاق سياسة مكافحة الإرهاب -وهو افتراض غير جائز في ضوء اعترافات أميركية موضوعية, بأن الحرب على العراق بنيت على افتراضات خاطئة- هل يمكن اعتبار النساء والأطفال الذين سقطوا ضحايا آلة الحرب الأنجلو- أميركية إرهابيين..?
وإن لم يكن ذلك كذلك فبمَ توصف هذه النتائج الكارثية لحرب, أقل ما يقال فيها أنها عبثية وغير أخلاقية لافتقادها إلى المسوغات القانونية والأخلاقية, إذ خيضت دون تفويض من مجلس الأمن الدولي يسبغ عليها الشرعية الدولية, و خيضت أيضاً على خلفية جملة أكاذيب تم تلفيقها من أجل تضليل الرأي العام الأميركي, والدولي عن أهدافها الحقيقية..?
في التوصيف القانوني الدولي لمثل هذه النتائج المروعة, هنالك وصف واحد لها هو أنها جرائم حرب منظمة, لأنها تستهدف المدنيين العزل ولاتفرق بين مقاومين ومدنيين وتمارس فيها سياسة القتل الجماعي المحرم دولياً, وإلا لما كان معظم الذين قضوا بعمليات قوات الاحتلال, هم من الأطفال والنساء طبقاً لما تكشفه إحصائية الخبراء الأميركيين.
وما يؤكد أن عمليات القتل على هذه الصورة في غضون ثمانية عشر شهراً جرائم حرب, هوانتهاك هذه العمليات لاتفاقيات جنيف ومبادىء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان, التي رتبت على قوة الاحتلال في المناطق المحتلة مسؤولية حماية المدنيين من أي أذى يتعرضون له على أيدي قوات الاحتلال, فكيف إذا كانت النتائج هي القتل بالألوف, وقصف المدن , وتدمير البيوت الآمنة والبنى التحتية لكل أشكال الحياة لشعب بأكمله..?
إن القتل العشوائي على النحو الذي يحصد أرواح الأبرياء ولايفرق بين طفل وامرأة وشيخ وشاب لاعلاقة لهم بالإرهاب وكل أكاذيب الحرب الخاطئة, يستوجب من المجتمع الدولي الخروج عن صمته ومساءلة مرتكبي الحرب على جرائمهم البشعة بحق الإنسانية, والعمل على فضح هذه الجرائم ونتائجها الكارثية, وتنظيم تحرك دولي ضاغط باتجاه إنهاء الحرب على العراق , من أجل إنقاذ شعبه من براثنها وتمكينه من استعادة حريته وسيادته واستقلاله الوطني, وتعويضه عن الآلام التي لحقت به لمجرد أن خيار سياسة القوة للمحافظين الجدد وقع عليه بتحريض من إسرائىل بعدما وجدت في ضرب العراق هدفاً لها من شأنه التغطية على جرائمها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني , وضرب العلاقات الأميركية- العربية على خلفية ما تثيره هذه الحرب غير المسوغة, مضافاً إليها انحياز أميركا لإسرائيل, من زيادة في كراهية السياسة الأميركية بسبب افتقادها لبوصلة التمييز الدقيق بين مصالحها الحقيقية والمصالح الإسرائيلية.