فالاهتمام المفاجئ الذي بدأه الرئيس الفرنسي جاك شيراك ورئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وتبعهما الرئيس الأميركي جورج بوش في متوالية من التداعيات المتسارعة يشير وبوضوح إلى أن ذلك الحديث لايزال من المبكر التعويل عليه لإطلاق الاحكام أو تشكيل القناعات.
فعملية السلام وأولويتها كانت على الدوام حاضرة في أذهان الجميع, والسنوات المهملة التي مرت دون أن تلقى أي اهتمام , عقدت كثيراً من مساراتها, وراكمت الكثير من المصاعب أمامها, ودفعت بالعديد إلى نعيها , بعد أن شهدت تقطيعاً لأوصالها عبر سياسة العدوان التي تمارسها إسرائيل.
واليوم حين يحاول العالم أن يستدرك خطأ السنوات الماضية , يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يصادر الاهتمام الدولي , ومؤشرات التطلع المشروعة عبر طرح آلية من الشروط المتزايدة , والتي ستؤدي إلى خلق المزيد من العقبات والعراقيل.
ولعل الواقع الدولي بكل تداعياته أضحى شاهداً على المماطلة الإسرائيلية وآلية التسويق لبعثرة الجهد الدولي, وتشتيت اهتمامه عبر طرحه لتلك الشروط والاشتراطات في أسلوب أضحى معروفاً من قبل الجميع.
لذلك كانت الخشية الحقيقية من أن يتحول ذلك الاهتمام إلى مجرد شعارات من دون أن تترافق بنيات فعلية وجادة ليصبح الحديث الدولي والاميركي تحديداً جزءاً من الجهد المطلوب لإعادة إحياء عملية السلام.
ولتلك الخشية مبرراتها الموضوعية ومسوغاتها الذاتية , حيث التجربة المريرة التي عاشتها البشرية والمنطقة بالاخص في السنوات الأربع الماضية, لاتزال ماثلة في الأذهان , حين تصبح التصريحات والمواقف مجرد شعارات , في حين الممارسات والسياسات على الارض, تجسد معطيات تناقض تلك الشعارات.
وتحولت صيغ الطرح المختلفة الى يافطات تخفي وراءها حقائق مرعبة تتجاوز النيات وارهاصاتها , وتصل حد التضليل في أهدافها ومبتغاها.
من هنا فإن الترحيب بالحديث الدولي عن أولوية عملية السلام في المنطقة , لابد أن يقترن بطرح آليات واضحة لإعادة إطلاق تلك العملية , والالتزام بأسسها ومبادئها , كي تكون قابلة للتطبيق , ولاسيما أن اسرائيل اعتادت أن تمتطي موجة التصريحات والمواقف المتناقضة لفرض مزيد من الإملاءات.
إن إعادة الأمل إلى المنطقة , بامكانية احياء عملية السلام وانتشالها من الركام تفترض ان تأخذ الجهود المبذولة بعين الاعتبار , تراكمات السنوات الماضية وان تتم على قاعدة الشرعية الدولية , وتجاوز الخيبات الكثيرة التي عاشتها المنطقة , عبر تباين الأولويات وتعارضها والتي أدت الى هذا الوضع الذي ينذر بمزيد من التفجر.
لاشك أن التعاطي مع عملية السلام كأولوية في الاهتمام الدولي , يشكل خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح, ولكنهابالتأكيد تحتاج الى خطوات اخرى لاتقل أهمية , فتحول الموقف الى فعل, والشعار الى التزام وهي خطوات لاتزال المنطقة تنتظرها بفارغ الصبر , وتتطلع إلى التعاطي معها كحقائق تحرك السياسات الفعلية للقوى الدولية الفاعلة.
ويبقى الرهان الصعب متوقفاً على مدى إلزام إسرائيل بهذه الآليات ومنعها من الاستمرار في لغة التسويف والمماطلة التي اعتادتها عبر السنوات الماضية , وربما كان ذلك هو الاختبار الأكثر صعوبة لجدية الحديث الدولي ومساحة اهتمامه.