لعلها متأخرة, لكنها ذات دلالة, تلك النصيحة أو الدعوة, التي وجهها المستشار الألماني شرويدر للولايات المتحدة وصانعي قرارها لاستخلاص العبرة والدرس من معركة الفلوجة.
غير أنها على أي حال, تذكير بتلك المفارقة التي عاشت عليها أسبارطة, ثم انتهت بها أو إليها, تذكير بالعناوين التي بدأت بها الحرب الأميركية على الإرهاب لنشر الحريات والديمقراطيات, وبالوقائع التي انتهت إليها تلك الحرب ومعها عناوينها, وقائع الدم والدمار وسحائب الدخان.
حتى توماس فريدمان, داعية العولمة والمجد الأميركي بتقنياته وطرائق تفكيره, وبثقافته التي قال إنها حلم العالم وبوتقة رغباته أخذته المفارقة ووقائع انقلاب العناوين إلى دهاليز, فلم يعد يتحدث عن سفينة نوح أميركية ترتقي بالعالم لا عليه, تصعد به لا على رأسه وأطرافه فوق طوفان التخلف والظلم والفقر, فقد انزلقت سفينة فريدمان إلى المستنقع, غاصت في ضحالته التي تترامى اتساعاً كل يوم وكلما ارتفع شعار أميركي جديد عن الحرية أو الديمقراطية!
ومع كل صور الدم والجثث ومشاهد الدمار والخراب, وروايات المعارك والمحاور والجبهات,التي تتسرب من الفلوجة ومن خلال القبضة الأميركية المحكمة الإطباق, مع كل هذا يتحدث القادة الأميركيون عن انتصارات وعن حسم عسكري خلال أيام أو أسابيع, وكما لو أنهم يخوضون حرباً عالمية لطالما تخيلوا ذواتهم أبطالاً فيها!!
الأميركيون وحدهم اختاروا جورج بوش لولاية ثانية, اختاروا حرب الكراهية مع العالم, وأغلقت أسبارطة الأميركية أبوابها دون العالم, وما عادت سفينة فريدمان قادرة على دعوة العالم لارتقائها فالموت في لجَّة الطوفان خير من التعفن فوق سفينة الكراهية العائمة فوقه!
كسدت سوق الحريات والديمقراطيات الأميركية, و(داوجونز) لا يجيد التعامل في بورصة القيم والشعارات والثقافات إلا المفخخة بالديناميت وهذا نموذج الفلوجة شاهد على كساد السوق الأميركية, فالسلعة غير مطابقة للمواصفات, والزبائن يقاطعون.
هل ثمة درس أو عبرة على طريقة المستشار شرويدر?
أجل, أن يكون حصان أميركا الخشبي إلى طروادات العالم, محشواً بمشروع عالمي للتنمية والتطوير, ولإقامة حدود العدل والمشروعية, وبأيدٍ تمتد لتصافح وتحاور, لا لتبطش وتحرق وتدمر!!