فهذه التعليقات جاءت متسرعة, ولم توضع في السياق الطبيعي والجدي للمباحثات المهمة والصريحة التي جرت بين الجانبين السوري والأميركي, ولا في إطار التصريحات التي صدرت عنهما, والتي أشادت بهذه المحادثات التي تناولت ملفات حساسة ودقيقة في المنطقة, ولاسيما أن الموقف السوري معروف وثابت تجاهها ولم يطرأ عليه أي تغيير.
فإذا راجعنا التعليقات السورية - الأميركية الرسمية على هذه المحادثات وأمعنا النظر جيداً في مضمونها ومدلولاتها, وخاصة ما صدر عن وزير الخارجية الأميركي كولن باول الذي أشاد بمحادثات بيرنز في دمشق, واعتبرها مفيدة وجيدة وضرورية, نجد أن هذا اللقاء أعاد الاعتبار لثوابت العلاقة القائمة بين البلدين والمستندة إلى مبدأ الحوار ومركزية دور سورية في المنطقة كعامل استقرار ولاعب مهم في تحديد مصير الأحداث والقضايا التي تعاني منها, والتي حاولت بعض القوى المتطرفة داخل الإدارة الأميركية القضاء عليه.
وكذلك أهمية هذه المحادثات بما تناولته من بحث حول ظروف حساسة تمر بها منطقة الشرق الأوسط, لا تكمن فقط في إعادة الاعتبار لمبدأ الحوار كمنطلق رئيسي وجوهري للبحث الجاد والموضوعي في تذليل نقاط الخلاف بين البلدين فحسب, بل بكونها أيضاً شكلت نجاحاً لفريق من المعتدلين داخل إدارة بوش, على آخر لا ينظر أو يتعامل مع دول المنطقة إلا من بوابة المصالح الإسرائيلية القائمة على العدوان والإرهاب ومعادة السلام.
فالتمسك السوري بمبدأ الحوار كإطار للبحث عن حلول عادلة لمواضيع الخلاف مع الولايات وبما يخدم مصالح البلدين والأمن والاستقرار في المنطقة, أعطى ثماره وفوت الفرصة على من يحاول دفع علاقات البلدين إلى مزيد من التأزم, وأيضاً فتح الباب من جديد أمام باقي دول المنطقة للتمعن ومراجعة مواقفها إزاء الضغوط الأميركية عليها, وكل ذلك يصب في إطار عقلنة السياسة الأميركية في المنطقة, وتصويبها في الاتجاه الذي يخفف من خطورة الوضع الحالي الصعب, والذي تسعى إسرائيل إلى تصعيده واستغلاله لتحقيق أغراض عدوانية على حساب المصالح العربية والأميركية.
من المؤكد أن المباحثات السورية - الأميركية الأخيرة لم تتوصل إلى إيجاد توافق بين البلدين إزاء القضايا التي تطرقت إليها, نظراً لخطورتها وحساسيتها بالنسبة للجانبين وارتباطها بالموقف الإسرائيلي, ولكن التوجه الأميركي بالعودة إلى الحوار كخيار ضروري لابد منه في العلاقات الدولية, من شأنه تذليل العديد من نقاط الخلاف والاتفاق على تأجيل حسم بعض الخلافات العميقة إلى ظروف دولية وإقليمية أفضل.
فسورية واثقة بإمكانية تذليل خلافاتها مع واشنطن والحوار أنجع الخيارات وأضمنها لتحقيق هذه الغاية.