تمتد أذرع الأخطبوط الإسرائيلي المدجج بصنوف الأسلحة لتزرع الموت والدمار, وتغتال الحياة لشعب أعزل استعصى لعقود على الأخذ والاحتواء والإركاع والتدجين, واستعذب الشهادة في سبيل الحياة والدفاع عن الأرض والمقدسات, وأشهر إرادة الكفاح والحجر في وجه آلة الحرب المتطورة والمشروع التوراتي, اللاهث وراء تصفية القضية الفلسطينية وإسقاطها من معادلة الصراع..
لقد أثقلت حمامات الدم والفظاعات المرتكبة لجيش الاحتلال, والتي أودت في غضون أربعة أيام فقط بحياة العشرات, وتسببت بإصابة وجرح المئات من أبناء الشعب الفلسطيني, ولما تمضي ساعات على مجزرة حي الشجاعية المنفذة بواسطة الطيران الحربي ونيران صواريخه الموجهة, وصور الخراب والدمار الواسع للمنازل والأحياء والبنى التحتية في مخيم جباليا وبيت لاهيا, وتحويلها هي الأخرى إلى مناطق منكوبة, أثقلت المشهد اليومي والمأساوي العام في الأرض المحتلة, والمتواصل بواقع الاستباحة الصهيونية المستمرة والتصعيد على مدار الساعة, ونهج العربدة والفلتان المعطى له الضوء الأخضر, من قبل حكومة الإرهابي أرييل شارون, والمفتوح في اتجاه خلق وقائع ومعطيات جديدة وميدانية على الأرض, أضحت اليوم الشماعة التي يعلق عليها حكام تل أبيب وحلفاؤهم في واشنطن, ذرائع الرفض لقرارات الشرعية الدولية ومجلس الأمن والانسحاب إلى خطوط الرابع من حزيران, والأوراق التي يعول عليها للابتزاز وانتزاع المكاسب والتنازلات وتثبيت أقدام الاحتلال في أية مفاوضات.
وطاحونة الموت والدمار التي تديرها عصابات الاستيطان والمؤسسة السياسية والعسكرية في الكيان الصهيوني بتقنية عالمية ومتفوقة في شوفينيتها وعنصريتها وهمجيتها, وبتصعيد وحشي وهستيري يسابق الزمن في الوقت الضائع, واستغلال قذر وتوظيف منهجي لصمت العالم وانشغال الإدارة الأميركية, وغرقها في حمى الانتخابات لولاية رئاسية جديدة, وتجنب أي من مرشحي الحزبين التقليديين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي, سواء إبان المعارك الانتخابية والتحضيرات لها أم خارج دائرتها, في فتح /صدام/ من أي نوع يشذ عن قاعدة الولاء والدعم المطلق لإسرائيل, والتسابق في تقديم الصفقات الكبيرة والمجانية لها, من رصيد أميركا المادي والأخلاقي ومن جيوب دافعي الضرائب فيها, إنما تسرع الحركة في اتجاه تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية, يمكن استثمارها في متابعة حروب العدوان والتوسع واستكمال مخططات الإجهاز على الشعب الفلسطيني والتدمير الكلي لعملية السلام.
هذه المجازر والفظاعات والتهديد الذي لا يتوقف للسلام والأمن والاستقرار, وشرعنة القتل والإلغاء للآخر وانتهاج سياسة الأرض المحروقة تحت أية ذرائع أو تسميات, وأياً هي القوى التي تساندها وتغطيها وتحاول إبقاءها حكراً لها ولإسرائيل وسلاحاً بأيديهما فقط, لا تقبل التوصيف إلا أنها أعلى مراتب الإرهاب الرسمي المنظم والمدان وجرائم حرب بامتياز, لم يعد ممكناً السكوت عليها والتغاضي عنها والتزام الحيادية إزاءها وتركها تأكل الأخضر واليابس, كما لا يجوز أن تبقى المنطقة بحضارتها وتاريخها وثلاثمئة المليون عربي من أبنائها أسيرة وضحية هذه السياسة, والطرف الذي يدفع فواتيرها وأكلافها.
العاجل والملح الآن ليس وقف العدوان فحسب, بل عدم السماح لمافيات وعصابات القتل والجريمة المنظمة, ومدمني وتجار الحروب وقتلة السلام بالتمادي أكثر, وأن يتم تدفيعهم ثمن جرائمهم وحماقاتهم وجعلهم عبرة لكل من تسول له نفسه اللعب بمصائر الشعوب وتهديد أمنها والمس بحرمة وسيادة واستقلال أوطانها.
وهي واجب ومسؤولية دولية جماعية ينبغي ألا تظل في إطار التمنع والانتقائية والاستثناء.